دور القيادات في الأزمات والأحداث والمنعطفات التاريخية

26

 

جواني عبدالأتعجب كثيرا لبعض الكتاب والمثقفين الذين يشهرون سيوفهم بمناسبة ودون مناسبة لحزّ أعناق القيادات الحزبية والشخصيات العامة المهتمة بالشأن العام وجَلدهم بحججٍ ومزاجية ورعونة, واستصغارٍ ودونية.

كأنهم السبب في كل المصائب أو المشاكل وتشابكها، وكأن بيدهم الحل والربط، وهم ينكفئون عنها، وهؤلاء يدرون ولكنهم يتغافلون عن ذلك، إن المساحة التي لهم ضيقة، وكذلك الحيّز المتاح لا يلبّي كافة الحلول، وهم محكومون بمصالح ولاعبين أقوياء على كافة الصعد. ونحن هنا –الناقدين والمعارضين على طول الخط – ينطبق عليهم المثل الكردي: “Nikare bi kerê dibeze kurtan ” أي لا يستطيع تسييس الحمار فيلجا إلى ضرب السرج.أي نترك العدو الرئيسي الذي هو سبب البلاء وصاحب كل المشاكل وتعقيداتها، ونتجه إلى قياداتنا المسكينة.

وكذلك.. أن استصغار قياداتنا وتسفيه قراراتهم لهوَ ضرب من عدم المسؤولية، فاذا كنا ننظر إليهم هكذا، فما بالك بالعدو المتربص الذي يجهض كل بادرة والتفاف ونصر ويحوّله الى إحباط وياس، وبالتاكيد ما نحن فيه هو هذا الإحباط واليأس الذي أوصلنا إليه الأعداء والمتربصين بحقنا ووحدتنا وقرارنا. دون أن نعرف “راسنا من ساسنا”.

نعم إذا كنا لا نقيم وزنا لراعينا، سيسهل على الذئاب – بالتأكيد – السطو ونهش القطيع الواحد تلو الآخر، فرادى فرادى يستفرد بهم، وما أسهل ذلك. كما يقول المثل ( نصير كمثل الماشية التي بلا راعي) وثمة مثل آخر ينطبق على هذه الحالة، إذا نحن رمينا الأحجار على ما يخصنا ناهيك  بالآخرين الذين سيتلذذون الفعل.. ولن نستطيع منعهم أو الكفّ عنهم.

فيا أيها الأخوة رفقا، نحن لسنا بقامة القيادات حتى “نستوطي حيطهم” هكذا، وهم إن كانوا يملكون أو يسعون إلى الشدة لما رأينا أحدا يفعل ذلك../ التطاول عليهم وتوبيخهم وتسفيه عملهم/ ولأن لا قوة لهم ولا حول، في هذا المجال وهم حريصون على الرفق واللين..

نعم إن دور الكتاب وبالأخص المثقفون مهمّ وحيوي في هكذا منعطفات تاريخية وأحداث جسام. هم مدعوون الى التعاضد والمساعدة والتآزر وليس الى النقّ وتكسير الأحجار على رؤوسهم، وهم مدعوون للدعوة لرصّ الصفوف وايجاد الحلول والمشاركة بطرح الرؤى وليس العكس.. لأنهم أولى بالنواحي الفكرية وايجاد البدائل وتقديم المشورة .. وليس الاعتماد أو التطاول على الشخصية وتسفيهها.. فان فعلت ذلك كأنك تفعل ذلك بنفسك. وترك الأمور التنظيمية لهم. وتقدير مساحة المناورة لهم.

فنحن بهذا الشكل نضرب أسوأ الأمثال عن أنفسنا وقضيتنا وقراراتنا، كأننا نضرب الفأس على أرجلنا.. وكما يقول المثل. Tefşo li nigê xwe dixe .

وهذا شيء مضر ومحبط وتشرذم وتسيب.فكل التبجيل للقيادات الكردية المرحلية الآنية أو المستقبلية، وكل الاحترام لجهودهم وكل عملهم.. كما هو طوعي واختياري ومجاني والذي  يعانون منه تضييقا في الرزق والمطاردة والسجن, هذا الشخص المهتم بالشان العام وفوق ذلك نسفهه ونستصغره.. ” فوق حقو دقو” .

أرجو التفهم, واللبيب من الإشارة يفهم. فدعوهم وشأنهم فنحن لسنا قيّمين عليهم وانما العكس صحيح.

فالمرجو, خففوا نقدكم عنهم حتى يستطيعوا العمل والمناورة, وحتى تزيد ثقتهم بأنفسهم وينالوا الثقة والدعم من الشعب وتزداد أهميتهم.. وينظر الآخر إليهم أنهم يمثلون آخرين وليسوا هكذا ما هبّ ودبّ.

ويستطيعوا أن يعملوا في مجال هادئ وسويّ، ففي أي نقلة حجر أو بيدق / يهلهل الآخرون/ ونهلهل نحن/ هذه نقلة خطا ولما لم ينقل البيدق الثاني.. لما فعل ذلك ولم يفعل تلك.. كما في لعبة الشطرنج.

إن نقد أي شخصية أو أي شيء سهل جدا وميسور أبدا، لاختلاف وجهات النظر والزوايا والاستنتاجات, وهذا الامر سهل وهذا التطاول أيضا، ولكن ليس هكذا تورد الابل..

فهذا الشخص يعطي من راحته ومن عمله ومن واجباته ومن ضغوطات قد تستمر على مدى عقود من النضال والكفاح والمعاناة ومن حر ماله أيضا.. وبالتالي يجزى هكذا بتهميش وتسفيه وتفريغه من المعنى والمضمون.

ونحن طواعية /كمجتمع بشري نريد من يمتن العلاقات الاجتماعية وينظم التعاشر في العقد الاجتماعي.. ونحن بهذا فوضناهم وهم بهذا الموقع ان يحاولون ذلك ما أمكن.

هم قدرنا ونحن قدرهم.. فلماذا ياتي الغريب وينظم حياتنا ويتدخل في ثقافتنا وثوابتنا الاثنية.. نعم لا ضير أن يقدم غريب على تسييس حياتنا ولكن أن يصبح منا.. لا أن نصبح منه.. كما يفعل الأعداء بتسفيه اللغة والقيم والتراث والفلكور أكان في المعيشة أو اللبس أو المأكل.

نعم لا يمكن لشعب أن يعيش دون قائد.. والمجتمعات البشرية تنتخب قياداتنا حسب الانتخاب الطبيعي لدورة البشر، وثمة معطيات أخرى.. أن الناس كما سعى ابن خلدون وكذلك روسو أو الفلاسفة السابقين.. إلى /تنظم العقد الاجتماعي روتينا حسب الممكن/ لأنه مهم ودوره حيوي في استقرار كافة المجتمعات والبيئات المتعددة التوجهات والميول.. الخ.

فلماذا نحملهم فوق طاقاتهم، ونعزو سبب كل اخفاق اليهم وحدهم دون غيرهم، وأقصد الأعداء الآخرين الموازين على الخط.

العجب أن من تعلم حرفين وحفظ كلمتين وأتقن كتابة سطرين، يبدأ أول  ما يبدأ بسن سكاكينه برقاب القيادات السياسية وغير السياسية.. وكل مهتم بالشان العام. انظروا من حولكم مَن مِن الشعوب أو الجماعات هكذا تستهتر بهم، تسن سكاكينها وعلى انتظار هفوة أو كبوة يبدأ السلخ في جلدهم وأجسادهم، والله عجيب هذا، والله عيب هذا.. أنهم منا وهم فينا.

 

نشر هذا المقال في صحيفة Bûyerpress في العدد 24 بتاريخ 2015/8/1

التعليقات مغلقة.