مفهوم الخيانة و التخوين

79

عمران فرمان1في القاموس اللغوي العربي الخيانة تعني لغة: نقيض الأمانة, من خانه خونا وخيانة ومخانة. واصطلاحاً: الخيانة هي مخالفة الحق بنقض العهد في السرّ  وقال ابن عاشور: وحقيقة الخيانة عمل من اؤتمن على شيء بضدّ ما اؤتمن لأجله بدون علم صاحب الأمانة ” .

فالخيانة: هي انتهاك أو خرق لعهد مفترض أو الأمانة أو الثقة التي تنتج عن الصراع الأخلاقي والنفسي في العلاقات التي بين الأفراد أو بين المنظمات, أو بين الأفراد والمنظمات, في كثير من الأحيان الخيانة عند دعم أحد المنافسين أو نقض ما تم الاتفاق  عليه مسبقا أو القواعد المفترضة بين المفترضين ويشتهر الشخص الذي يخون الآخرين بالغادر أو الخائن .

ولو أسقطنا هذه الصفة على الساحة الكردية سياسياً وعمل الأحزاب الكردية, سنلاحظ بأن هذه الصفة تتكرر بين الحين والآخر, فتارة تصف الجماهير الأحزاب بالخيانة  أي أنها تخون الأحزاب لأنها لا تستطيع التعبير عن آمالها في الوقت المناسب أو لعدم قدرتها على تحقيق  الموائمة بين فعلها والمواقف الدولية.

وتارة أخرى نرى بأن بعض الأحزاب التي لا تتفق وفق منهج أو رؤى معينة تصف التي تقابلها بالخيانة. ولا تدرك معنى الاختلاف, وترى في ذلك خلافاً,  والتي تختلف بالمعنى والمضمون عن قضية الاختلاف التي هي إحدى السمات الأساسية للحياة, فالاختلاف يعني التنوع والخلاف يعني وجود مشكلة .

وسرعان ما تستطيع هذه الأحزاب تشويه الحقائق,  بإطلاق الصفات دون أي وازع أو وجدان يحجبها عن القيام بهذا العمل المشين, إذ أنه من السهل إطلاق صفة ما على شخص وتخوينه ونشرها بين الناس لتنتشر كسرعة النار في الهشيم, ولكن من يستطيع أن يغيرها إن كانت قد أطلقت بشكل عبثي, أو انتقامي على شخصية وطنية أو حزبٍ وخاصة حينما تنتشر الأفكار بين البعض في المجتمع الشرقي, يأخذونها كأنهم قطيع من البشر دون إعمال العقل في كل ما يتلقـّوه في هذا الزمن زمن التكنولوجيا الحديثة.

فرفاق الأمس يصبحون أعداء اليوم بين ليلة وضحاها, وتتبادل الاتهامات وإطلاق الصفات النابية وكأنهم كل مدة رفقتهم كانوا في سبات أهل الكهف, ينادون بالديمقراطية فيمارسون الاستبداد, يقولون بالنقد البناء فيبدأون بتخريب المبنى مسبقاً.

وفي الآونة الأخيرة تشرذمت الحركة الكردية أكثر فأكثر وأصبحت كنبتة البقلة وظهرت المحاور فيها, وتكاثرت الاتهامات بالعمالة والخيانة متناسيين بأن السياسة هي فن الممكن في تحسين أحوال الشعب وليس إيهامه, وأن السياسة تبنى على أساس المصالح وليست القيم الأخلاقية والوفاء بالعهد بين المتناحرين. ولكن مع هذا وذاك يلزمها أدنى قواعد الانضباط والشعور بالمسؤولية بين أصحاب الاتجاه الواحد تجاه الآخرين المختلفين, وما حصل بين أقطاب الحركة الكردية بشأن بناء مرجعية كردية هل تدخل في باب الخيانة الأخلاقية أم الخيانة العظمى؟ .

بكل تأكيد هي لا تدخل في باب الخيانة العظمى وفق تعريفها: لأنه ليس هناك كيان كرديّ مستقل بذاته وتآمر البعض ممن يديرون سياسته مع آخرين يريدون تقويض هذا الكيان المستقل, بيدَ أنها قد تدخل في باب الخيانة بالعهد حيث تم نقض  البعض سراً ما كانوا  قد اؤتمنوا عليه في التصويت لصالح فئة اجتمعوا هم على التصويت لهم .

ولكن حينما نطلق صفة الخيانة على أحدهم يجب أن يكون لدينا قرائن وبراهين دامغة على صاحب الفعل وليس مجرد الشبهة وخاصة عندما يكون هناك إنكار من كل  المجموعة بالقيام بهذا العمل ( نقض العهد ) فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته,  فمن قام بهذه الخيانة وما الإجراءات التي يجب اتخاذها بحقهم؟

ففي النظم الاستبدادية قديماً وحديثاً الخيانة: كانت تعني إلقاء التهمة على الخصوم السياسيين في الدولة للتنكيل بهم والحكم عليهم وإبعادهم عن مسرح السياسة,  وفي الوقت الذي ألقى المجلس الوطني الكردي التهمة على ثلاثة أحزاب من داخلها   بصفة نقض العهد وأبعدتهم من المجلس كإجراء ضد من ينقض العهد, هل كانت تمتلك الأدلة الدامغة على فعلهم أم أن تمسك الآخر بهم ممن اتهموا من أجلهم  أصبح دليلاً على نقضهم لعهدهم مع الإطار الذي كانوا فيه.

ما ذكرناه هي بعض جوانب المشكلة, الأسباب والنتائج, ولكن يبقى الجانب الأهم, وهو كيفية المعالجة وعدم الوقوع في الأخطاء قدر الإمكان, وهنا يعني التركيز على الجانب التربوي والتنشئة الاجتماعية الصحيحة, ولكن من سيعلمنا  بدون أن يكون متأثراً بأيديولوجية أو عقيدة ما؟ من أين سنأتي باللقطاء, ولا أعني باللقيط ابن الزنا الجنسوي وإنما الفكري أي بعدم تبعيته لأية جهة وإنما يكون ذو فكرٍ وقاّد ونيّر لينشىء الجيل على التربية الصحيحة وقول الحقيقة والاعتراف بالخطأ عند وقوعه, وعدم إلقاء أخطاءه على الآخرين, وأن يتعظ بالمثل القائل: الاعتراف بالذنب فضيلة والابتعاد عنها رذيلة.

وسأكتفي بقول الشاعر : وفاء العهد من شيم الكرام              ونقض العهد من شيم اللئام

وما حسن البراءة شرط حب             ولكن شرطه حسن الختام

 

* إجازة في الدراسات الفلسفية والاجتماعية

 

نشر هذا المقال في صحيفة Bûyerpress في العدد 24 بتاريخ 2015/8/1

التعليقات مغلقة.