في بعض تمظهرات أزمة الأحزاب الكردية السوريّة

27

 

” كما تدار السياسة الكردية بعيداً عن أعين الجماهير وفي الغرف المظلمة من قبل شخصيات مهترئة عفا عليها الزمن، وفقدت صلاحيتها لقيادة المرحلة الحالية من حيث المعرفة بالتكنولوجيا والانترنيت ووسائل الاتصال المعاصرة، لا بل القسم الأكبر من هذه القيادات لم يعد له من سمع أو رؤية وأصبح مكانه المناسب في دار العجزة والرعاية الصحية”

اكرم حسين1

بعدَ مضّي أكثر من أربع سنواتٍ على ما يجري في سوريا، لا يوجدْ لدى الحراك الحزبي الكردي ما يعتدُ بهِ لنفسه، سوى النظر والمراقبةِ وانتظارِ الفرجِ ..!! والمساهمةِ في تعويمِ الفسادِ السياسي والأخلاقي، وتفريغِ المنطقةِ وتهجيرِ الشباب، وتصفيةِ النشطاء، وضربِ القوى الحيةِ والشخصياتِ الفاعلةِ في المجتمع، رغمَ كل ما قدمهُ السيدْ مسعودِ البارزاني رئيس إقليم كردستانِ العراقِ من دعمٍ مالي وإعلامي، وجهود كبيرة في سبيل توحيد كلمةِ الكرد وإعلاءِ رايتهم!!..
كما لم يستطع هذا الحراك الحزبي الكرديّ أن يفّند أكاذيب الإعلام العربي الذي ردد أخبار القوة الكردية، وصورإعلانٍ الكانتونات على أنها تقسيم لأراضي الدولة السورية بغية إنشاء دويلة كردية تحقيقاً لحلم كردي قديم، متناسياً هذا الإعلام ما كان يجري للكرد من قبل السلطة منذ أكثر من أربعين عاماً مدعوماً من النظام العربي الرسمي بمجمله …! أما الآن فإن القوى التكفيرية هي الأخرى باتت من تحصد أرواح الكرد، وتتسبب في تعطيل الحياة في أغلب المدن والبلدات الكردية…!!

فالأحزاب الكردية القائمة لم يعد يهمها اليوم تجميل صورتها، أو تحسين سمعتها، أو ترميم ما انكسر من ثقة بينها وبين جماهيرها الكردية أو قوى المعارضة الأخرى، بل تنشد لبناء علاقة قائمة على )الولاء) و (الانتماء) ومنح (الامتيازات ) لفئة معينة يجب أن تدور في فلكها …!! لانها لا تطمح الى بناء علاقة صحيحة ومتوازنة بينها وبين جماهيرها، ففي الحزب الكردي تنعدم حرية القول والفعل ،مقابل رأي السكرتير.. حيث تلغى حقوق العضو أو الجماعة الحزبية لصالح القائد الأوحد، وفي أحسن الحالات للمكتب السياسي، ويقدّم الحزب مثاله الثقافي ورأيه السياسي، كمقال أحادي مطابق للحقيقة، رافضا كل مقال أو رأي لا يلتقي أو يتقاطع معه، كما يقدم الحزب دائما أفكاره كحقيقة وحيدة ومطلقة ترفع قائدها إلى مستوى من التقديس لا يطاله النقد، ولا يمكن ممارسته، ويصبح كل نقد أو عتب أو تنبيه خيانة ونفاق وخروج عن الصف الوطني!…
وفي هذه الحال يجعل القائد الحزبي ذاته مثالا وقدوة للجماعة، ويشجعهم على تقمص شخصه وتقبّل مثاله؛ طامحا الى إلغاء الأسئلة النقدية، وتدمير كل ثقافة ديمقراطية من شأنها  أن تصبو إلى تحقيق إنسانية الانسان، وبهذا المعنى يتمّ هزيمة الإنسان ويدمرالمجتمع, وتتحوّل الثقافة إلى شكل من أشكال الإعلام وتأخذ معناه ودلالته, بحيث لا يتجاوز حدود الحزب الكردي ومقاله الثقافي والسياسي, وتصبح الثقافة أداة تبريرية لسياسات الحزب وممارساته اليومية، وتساهم من حيث لا تدري في التنظير والتبرير للاستبداد ولقمع الحريات وتغييب الرأي، وإقصاء الآخر، عبر صمتها وعدم نقدها لما يجري, ويتم إعداد العضو الحزبي على أساس الولاء والانتماء، ويعامل كطفل مدلل  يجب أن يحب ويطيع رئيسه، وأن لا يعصي أوامره، ويسوق رئيس الحزب كنموذج للأخلاق والسياسة والمصلحة العامة وحبّ الوطن، في الوقت الذي يتم فيه إهدار حقوق العضو في عدم مشاركته بالقرارات الأخذ برأيه والسماح له بانتقاد سياسات الحزب أو قادته أومحاسبتهم، أما من هم خارج دائرة الحزب، خاصة أولئك الذين ينتقدون سياسات الحزب فينظر إليهم على كونهم أعداء ويصنفون خارج دائرة الوطنية ويتم التشهير بهم بتلفيق الاتهامات الرخيصة، ونعتهم بأقبح الصفات           !..
ويحيط الكثير من هؤلاء القادة أنفسهم بعدد من الإمّعات والانتهازيين، الذين لا يهمهم إلا مصالحهم الذاتية وليسوا على شيء من قوة الخلق ولا المقدرة السياسية، أو الإخلاص للمصلحة العامة المرتبطة بمصالح الشعب الكردي وقضيته القومية، ونتيجة لذلك يساس الناس في المجتمع الكردي السوري على أساس أنهم قطعان من البهائم “الحقيرة” دون أي اعتبار لآرائهم وأفكارهم ومعتقداتهم، أوكراماتهم، ويتم شراء الذمم وإغراء الناس بالمال أو بتولّي المسؤوليات الحزبية أوالمشاركة في الدورات التدريبية أو أي شكل من أشكال الامتيازات الأخرى، كما تدار السياسة الكردية بعيدا عن أعين الجماهير وفي الغرف المظلمة من قبل شخصيات مهترئة عفا عليها الزمن، وفقدت صلاحيتها لقيادة المرحلة الحالية من حيث المعرفة بالتكنولوجيا والانترنيت ووسائل الاتصال المعاصرة، لابل أن القسم الأكبر من هذه القيادات لم تعد له من سمع أو رؤية وأصبح مكانه المناسب في دار العجزة والرعاية الصحية.
إن سبب أزمة الحركة الكردية في سوريا باعتقادي هو في استمرار وجود هذه الشخصيات المتكلسة في قيادة هذه الأحزاب، وفي رأس الهرم الحزبي نتيجة غياب (الديمقراطية الحقيقية)،وفي الفكر المستسلم اللابس وجه الفكر القومي، وفي غياب المشروع الاستراتيجي لحل القضية الكردية في سوريا                              .
إن تنحّي هذه القيادات عن قيادة هذه الأحزاب سواء عبر الضغط الداخلي أو الخارجي هو الشرط الأولي والأساسي لتحقيق أي تقدم باتجاه هذا الحل، عبر استنهاض واستدعاء قوى المجتمع الحية والارتقاء بها لتناسب وحجم التضحيات التي قدمها الشعب الكردي، والتطورات الحاصلة على الصعيدين الاقليمي والعالمي.

لا توجد ديمقراطية داخل الحركة السياسية الكردية ..! حتى الأحزاب الكردية المذيّلة أسمائها بكلمة الديمقراطية لا تمارسها، هناك ديمقراطية التكتلات أو الديمقراطية التوافقية الشكلية، وهي المعمول بها في معظم الأوقات، لأن الديمقراطية ثقافة وقيم وسلوك وضمان لحقوق الأقلية، فطريق الديمقراطية في واقعنا ما زال طويلا ومليئا بالصعوبات بسبب فاعلية العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التقليدية “الاستبداد الشرقي” المعادية للحريات والانفتاح والاجتهاد والاختلاف وحرية الاختيار والرأي الآخر، وهو ما لا يمكن لأية ثقافة ديمقراطية أن تستقيم بدونها ،هذاهو حال الحزب الكردي السوري اليوم.!
النخب المثقفة الكردية غائبة أومغيّبة هي الأخرى، لكنها إن وجدت فهي مطالبة بتحليل الواقع، ودراسة موازيين القوى الداخلية والاقليمية والعالمية واتجاه التطور وحركة التاريخ، للإجابة على تساؤلات الشارع الكردي ووضع استراتيجية حقيقية في مواجهة كل ما يجري، لأن القديم ينهار والجديد لم يولد بعد ….!!!

 

نشر هذا المقال في صحيفة Bûyerpress في العدد 24 بتاريخ 1/8/2015

التعليقات مغلقة.