قولٌ في الاجتياح التركي المزعوم

30

 

11737067_897897820290652_954648493_n
آزاد نبي

أثار التقدم الملحوظ الذي أحرزته وحدات حماية الشعب الأخير في شمال سوريا موجة من التهديدات, أطلقتها الحكومة التركية وحشدت على إثرها جيوشها ومدرعاتها على طول الحدود تمهيداً لاجتياح البلاد, فبعد الاستيلاء على بلدة تل أبيض الاستراتيجية “التي تشكل شريطاً ترابياً مترابطاً بين مقاطعتي الجزيرة وكوباني” من قبل المقاتلين الكرد المدعومين من طائرات التحالف الدولي وبعض فصائل المعارضة السورية, أبدى المسؤولون الأتراك عن خشيتهم في أن يتم توظيف هذه الانتصارات لمصلحة تأسيس كيان كردي في الشمال. وهو ما لن تسمح به تركيا مهما كلفهتا الثمن, وفق ما صرح عنه رئيس الجمهورية. لكن الطرح الأهم هل ستؤخذ هذه التحركات على محمل الجد؟ وهل هم قادرون على فعلها بمفردهم دون إجماع عام, ومستعدون لنتائجها وتبعاتها؟

واقع الحال يشير إن التدخل العسكري بهذه الصورة الفجّة طبقاً للذرائع التي تقدمها حكومة العدالة والتنمية تحمل حسابات وتبعات خطيرة تعود بنتائج عكسية مباشرة على أمن البلاد, وتشكل نقطة بداية لتهديم الدولة التركية على الصعيد السياسي والاقتصادي والعسكري وحتى الأهلي, ناهيكم عن الأبعاد الإقليمية والدولية الأكثر تأثيراً. سياسياً, ثمة أحزاب فاعلة داخل البلاد تعارض هذا المشروع قطعياً, وترى فيه توريطاً من جانب حكومة العدالة والتنمية لاستعادة الدور المركزي الديني, ويعدّ بمثابة مغامرة غبية ستدفع البلاد إلى المواجهة في سبيل طموحات أردوغان, كما في خطابات زعيم حزب الشعب الجمهوري قليشدار أوغلو “اليسار التقليدي”. أما حزب الشعوب الديمقراطي ” المفوض الفعلي للعمال الكردستاني” الذي يتزعمه دميرطاش فقد حذر حكومة العدالة والتنمية من مغبة هكذا خطوة رعناء, ففي ذلك استهداف واضح لامتيازاتهم داخل سوريا, لا سيما الإدارة الذاتية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي, حليف الشعوب الديمقراطي, علاوة على التهديدات الواضحة من قبل قيادات العمال الكردستاني أنفسهم, من قبيل تحويل كبرى المدن التركية إلى ساحات ساخنة للقتال, ولا ريب أن نزاعا من هذا النوع سرعان ما سيأخذ طابعاً قومياً, ويضع استقرار البلاد على المحك.

إن الدافع الرئيس لهذا الصراع كامن جوهرياً في المعركة الكردية التركية القديمة, فالأتراك يحاولون اليوم خوض حروبهم الداخلية على أراض الغير بأدوات مستعارة, يريدون تأمين حدودهم بانتصارات في الخارج. إنه تقليد لمَ تقوم به الدول الكبرى التي تمتلك أدوات الفك والربط, والتي تتحكم بقيود اللعبة. فقد ظن السلطان أن شأنه تعاظم وبات من الفاعلين في الملف السوري قبل أن يتلقى الصفعات من حلفائه وترفض مطالبه في نيل الضوء الأخضر من حلف الناتو, وهو ما حدد فعلياً حجمه وحاصل دوره.

لقد تم خدعهم مرة أخرى, كما حصل من قبل في العراق. تركيا العدو الموضوعي لتطلعات الكرد في كل مكان من الطبيعي أن تتحسس لأي نفوذ يكتسبونه أو أي معركة ينتصرون فيها, من هنا أصبح بوسعنا الآن إدراك ماهية التصريحات الهستيرية غير السياسية على الإطلاق من قبل المسؤولين الأتراك, عندما يسوقون حجج ويروجون لدعايات مضحكة حقاً, دعايات تصدر من الملسوعين لا من السياسيين تعبر عن مقدار تأثير الصدمة ووقعها.

بهذا الاعتبار, إن شنت تركيا بمفردها حرب كهذه, يتطلب قوة عسكرية ضخمة وميزانية قوية تضع في عين الاعتبار جميع الاحتمالات المستقبلية, وهو ما لا تتوفر في الظرف الراهن على أقل تقدير, فلا الاقتصاد متماسك بما فيه الكفاية ولا الجيش مؤهل أو مقتنع بمغامرات سلطان المماليك ولا هي معركة وطنية مباشرة لتكتسب تأييداً شعبياً واسعاً, فهي تؤول بالضرورة إلى نزيف حاد قد لا يضمد. بالطبع من السهولة خوض الحروب واقتحام بوابات الغير خاصة العاجزون عن حماية حدودهم, لكن هل من السهولة الخروج أيضاً دون أضرار ونتائج كارثية؟ بالتأكد لا. فصدام حسين دخل الكويت متوهماً بشموخه وحديده وناره, بيد أنه خرج وهو يجر أذيال الهزيمة. أردوغان إذ يغطس قدميه في المستنقع فلن يعود بإمكانه إخراجهما, و إذ يصرخ في وجوه الغير متوعداً إياهم دون وجه حق, متخماً بضغينة باطنية, فهو بذا يحتم على نفسه مصيراً بائساً يُقذف به خارج مسرح التاريخ.

خلاصة القول, تركيا غير مؤهلة على الإطلاق في خوض حرب مجنونة ومدمرة مجهولة النتائج, وما الزوبعة التي تفتعلها الأوساط السياسية هناك إلا ردود أفعال صبيانية إزاء التغييرات الميدانية غير المتوقعة.

 

نشر هذا المقال في صحيفة Bûyerpress في العدد 23 بتاريخ 2015/7/15

التعليقات مغلقة.