سـامي عـبد الـرحـمن … دروس وعـبر وخسـارة

43

محي الدين شيخ آلي*

10429311_1585164725033312_4258366122652882608_n

2 / 2 / 2015

في الأول من شباط عام 2004 المصادف لأول أيام عيد الأضحى ، وفي عملية انتحارية مزدوجة ومحكمة التخطيط ، نفذها ( دواعش ) الأمس ، طالت مقرّي الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني في أربيل ، راح ضحيتها أكثر من / 300 / بين قتيل وجريح ، من بينهم كوكبة من خيرة كوادر ومسؤولي الحزبين الحليفين ، أبرزهم الشخصية الكردستانية سامي عبد الرحمن ، الذي أمضى عمره مكافحاً من أجل قضية الحرية وغدٍ أفضل لشعبه ، والذي كان يتمتع بعلاقات صداقة واحترام لدى مختلف النخب والفعاليات الثقافية والسياسية في الوسط العراقي ، متابعاً مخلصاً لأوضاع الكُرد في إيران وتركيا وسوريا ، والذي أسند إليه الزعيم الراحل الملا مصطفى البارزاني مهاماً وأعمال تليق به ، كان من بينها خوض معترك التفاوض مع حكومة بغداد ، والتواصل مع القاهرة وغيرها من العواصم ، وكذلك تولي أهم حقيبة وزارية تخص شؤون كردستان العراق ، إثر التوقيع على اتفاقية 11 آذار 1970 مع الحكومة المركزية .

من دواعي الملاحظة ، أن الفقيد بالرغم من أحوال نشأته ، وبقدر ما كان متحضراً يحمل ثقافة عالية ومعارف متشعبة وتطغى على شخصيته سمات التمدن ورجل السياسة والدبلوماسية ، بقدر ما كان ناجحاً في تحمل المخاطر ، والتأقلم مع أصعب ظروف الحياة اليومية على مدى سنين طوال في قرى وجبال كردستان الثائرة ، واحترامه الفائق للجانب الروحي لدى جماهير الفقراء التي لطالما شكلت على مرّ الزمن وقود الثورات الكردية وعمودها الفقري .

إثر مجيء آية الله الخميني واستلامه زمام الأمور في إيران ، لم تتحمل سلطات آية الله خلخالي ومصطفى شامران في طهران وجود قامة سياسية ثقافية كردستانية كالتي كان يجسدها الراحل سامي عبد الرحمن ، فاعتقلته وألقت به في غياهب سجن ( أفين ) ليواجه خطر الإعدام بتهمة الترويج للعلمانية بين طلبة الجامعات الإيرانية والتعاون مع كُرد إيران ، إلا أن رسائل المناشدة التي انهالت على رئاسة الجمهورية الإسلامية وأهمها مناشدات السادة مسعود بارزاني ، ياسر عرفات ، نايف حواتمة ، هاني الحسن ، وأعضاء من السلك الدبلوماسي الأجنبي وآخرين كُثر …، حملت المعنيين في طهران لإلغاء حكم الإعدام بحقه وإطلاق سراحه بعد مدة غير طويلة .

لم تنل المخاطر من عزيمة وثقة صديقنا الفقيد بعدالة قضية شعبه ، ولا بتواصله مع نضالات أخوته الكُرد أينما كانوا ، ففي أواسط الثمانينات من القرن المنصرم ، وإثر زيارةٍ له إلى ليبيا وأخرى للمملكة السعودية ، التقى مع كاتب هذه الأسطر ، ليعرض عليه مساعدة مالية في سياق ما هو شبه مألوف في العلاقة بين الأحزاب الشقيقة والصديقة ، إلا أن العرض الذي تكرر لم يلق تجاوباً بسبب تَذكرٍ فوري لتبعات تعاون عبد الرحمن مع كُرد إيران من جهة ، وضرورة عدم إحراجه مستقبلاً ، وإن كان الفقيد ملحاً في تقديمه لتلك المساعدة التي في حينها كان كُرد العراق أحوج الناس إليها ، ونتيجة أخذ ورد أخوي ، اقتنع بأن تقتصر مساعدته على تأمين طباعة / 2000 / نسخة من ألف باء اللغة الكردية بمثابة هدية لنا ، حيث تم إنجازها بمساعدة السيد بيستون ، وجرى توزيع تلك الكمية من الألفباء مجاناً . ويجدر القول بأن طباعة هكذا كمية من ألف باء اللغة الكردية وتوزيعها بين كُرد سوريا في كوباني ، عفرين والجزيرة ، كانت تشكل خرقاً لتعاميم الحكومة السورية و ( إساءة للعروبة والأمن القومي ). ورداً للجميل ، أُهدِيَ الفقيد منظاراً نادراً ، حيث تقبله مبتسماً ومؤكداً بأنه سوف يرسل هذا المنظار إلى البشمه ركه ليفرحوا به .

لقد كان الفقيد دمث الأخلاق ، حريصاً على بذل ما بوسعه لتلاقي ووحـدة الصف الكردي والكردستاني ، يبدي في كل مناسبة اهتماماً بسبل وأدوات التثقيف والمعرفة ، ينبذ التمييز بسبب الدين والطائفة ، ينصح جليسه بمطالعة كتاب ( مبادئ أولية في الفلسفة ) لجورج بوليتزر ، يدافع عن حرية وحقوق المرأة دون انتقاص أو تردد ، مما جعله يشكل نقيضاً واضحاً لصنوف الإرهاب وأنماط التخلف والتفكير الخرافي .

بالأمس القريب ، اقتحم دواعش تنظيم الدولة ، إرهابيوا اليوم ، مركز أسايش العاصمة أربيل ، ليليه اقتحام تفجيري آخر طال مبنى المحافظ ، سبقته أعمال وحشية وحرب إبادة بحق الكُرد الإزديين في سنجار ، ومن ثم غزوتهم ضد كوباني الكردية السورية ، ليتبلور للجميع بوضوح لا لبس فيه ، بأن الخطر الداهم والتناقض الرئيس في الأمس واليوم ، يتمثل بغلاة التكفيريين التفجيريين ، انتحاريوا تنظيم الدولة ، سلالة تنظيم القاعدة الإرهابي العالمي ، الذين خططوا ونفذوا عملياتهم الجبانة ، سواءً في أربيل وسنجار وكركوك ، أو باريس ونيويورك ، موسكو ومدريد وغيرها.

شكراً لحكومة إقليم كردستان العراق على قرارها بإطلاق اسم الشهيد سامي عبد الرحمن على أكبر حديقة ومنتزه في أربيل ، تخليداً لذكراه الغالية .

سوريا – عفرين 2 / 2 / 2015

* سكرتير حزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا ( يكيتي )

التعليقات مغلقة.