العجينة السياسية / د. كسرى حرسان
يميل المحلل العام، في تأملاته، جازماً إلى أن الأحزاب الكردية في سوادها الأعظم حديثة الولادة، ولكنها سرعان ما تنامت – خلال فترة معروفة ووجيزة نوعياً بتسارع منقطع النظير – تنامياً يماثل كمّاً تكاثر الأميبات وسواها.
إن ذلك المراقب يرى أن ظروف تواجد تلك المجموعات واتساعها كانت تطفلية، حينما آنست أن مناخات الاستنبات مؤاتية وعوامل البيئة محفزة ومحرضة لإنشاء ركيزة لها، تستند عليها كقاعدة من أجل النهوض بأدوارها المطلوبة، ولا ضير في ذلك ما دام يحقق لها مصالحها.
ولذلك يرى المطلع نفسه… أن كل من يطلق على كيانه تسمية الحزب قد انحط دون هذه السوية والمنزلة انحطاطاً شنيعاً حتى درك المنافع الفردية، لأن هذا الحزب أو ذاك قد تأسس في المصدر ومن حيث المبدأ على الأساس المصلحي المذموم، حيث إنه لا يعتبر شيئاً مذكوراً مقارنة بحزبٍ يتبنى القضايا الكبيرة، وذلك إذا ما نظرنا إلى التاريخ كحركة مستمرة التغير والتبدل… ليظل هؤلاء الذين نتناولهم بالحديث يفتقرون كلياً وفي الأول والآخر إلى روح الثورة تلك, بل صح تسميتهم تلقائياً بالكولبات السياسية، وكل من يشتغل بها موظف دون زيادة أو نقصان.
ينظر الشارع الكردي الملهوف واللصيق بالأحداث بل المنفعل بها بالأحرى بمنظار الخبير، إلا أنه منظار الاستياء والخيبة، إلى التجمعات السياسية الكردية، حاله اليأس من خمولٍ مستديم لا يقدم ولا يؤثر بشيء سوى إفشال الخطط البناءة… فهو يجمل هذه الأحزاب – بغير إرادته – ويصنفها كما تصنف جماعات ذات سجل رجعي إذ إن مبادئها – هذه أو تلك – جميعاً واحدة.
وببساطة شديدة فالحزبية والعمل السياسي في صعيد وهؤلاء الشواذ أو النشاز في صعيد آخر، ولا أحسب أن أحداً يماريني فيما أعرضه وأنبري من أجله.
وإذا لم ندرك مصيرنا المتهدَّد برياح هوج لا تعهد الرحمة وإن لم نتلافَ أخطاءنا الشنعاء، فبئس ما ننادي به من أيديولوجيات كاذبة وشعارات ماكرة يدفع الشعب الكردي ثمنها باهظاً.
ما أصبو إليه هو أنه يجب أن يكون نفي الخلافات الحزبية أو نبذ التعصب السياسي (متمثلاً في المرجعية الكردية الجديدة) هادفاً وبناءً… همه الأول والأخير خدمة الشارع الكردي، وأسلوبه قراءة واقع هذا الشارع ودراسته بغية تقديم الحلول المحتملة من أجله ووضعها قيد الإنجاز للبتّ بإنشاء مجتمع متماسك مغاير لهذا المتفكك والقلق الحالي نتيجة تكالب الأحزاب على إرضاء نزوات أصحابها وتحقيق مآرب أشخاصها.
فمعاناة هذا الشعب في كليتها نتيجة حتمية لهذه السياسة الغوغائية لكل من جاء فنصّب ذاته قيّماً وراعياً أميناً على مصلحة الرعية.
إذاً ينبغي أن تكون العجينة السياسية المتشكلة في الآونة الأخيرة – دون العودة إلى الشعب – ينبغي أن تخدم في كل الأحوال مستلزمات هذا الشعب البائس وحاجاته الملحة، لمعالجة هذا الشظف الذي يتجرعه منذ أكثر من ثلاثة أعوام… إن كان في برنامجها ثمة علاج.
((إن الرياح تتنازعنا والأزمات تتناوشنا، والمركب حقاً يسير تائهاً بلا ربان ويجب أن يجد له مرسىً وبر أمانٍ غيرَ كل هذه التقلبات التي يتقلّبها يائساً مستاءً نُهب الأخطار بل الكوارث)).
التعليقات مغلقة.