الدور التركي تجاه القضية الكردية/ سلمان بارودو

37

إنسلمان باردو المسؤولين الأتراك والأحزاب التركية التي توالت على الحكم في تركيا جميعها أبدت مخاوفها من التطورات التي تجري على الساحة والمناطق الكردية إن كان في كردستان الشمالية أو روجآفا، ولقد أغدقت الحكومة التركية الكثير من الوعود بخصوص عملية السلام مع حزب العمال الكردستاني وزعيمه عبدالله أوجلان المعتقل في سجن “إمرالي”، ولكنها لم تترجم في خطة عملية وتطبيقية، حيث كانت تركيا دائماً تضع في حساباتها أن ظهور أي كيان كرديّ سوف يكون سبباً للحرب، أي أن تركيا ومنذ زمن بعيد مصابة برهاب اسمه “فوبيا الكردية”، لذلك كانت تعاملها مع الفدرالية التي أقرّت في كردستان العراق محلّ امتعاض ورفض تركيا.
وهكذا كان تعاملها مع حزب العمال الكردستاني على أنه تنظيم إرهابي انفصالي لا يمكن التعاطي معه إلا بالقمع والعنف، متجاهلة أنه يمثل أكبر شريحة في كردستان الشمالية، وهذا ما أثبتته نتائج الانتخابات البلدية والنيابية التي جرت في المناطق الكردية، والآن تركيا تدفع ثمن “فوبيا الكردية” نتيجة عدم مشاركتها في التحالف الدوليّ ضد الإرهاب وتقديمها تسهيلات لتنظيم “داعش” الإرهابي التكفيري، ومراهنتها على سقوط “كوباني”، لأن أهداف تركيا الاستراتيجيّة تتقاطع مع أهداف “داعش” في المناطق الكردية والمنطقة، وهذا ما أكده الكثير من المسؤولين الأمريكيين لتركيا بخصوص مساعدتها لتنظيم “داعش” الإرهابي، لكن هاجس وتخوّف تركيا الوحيد هو نشوء كيان كرديّ في شمال سوريا, بعد سيطرة مقاتلي حزب الاتحاد الديمقراطي على جميع المناطق الكردية، وهذا ما أدى إلى إعلان تركيا وإلحاحها على التدخل العسكريّ في سوريا، ليس من أجل “سواد عيون” السوريين, بل من أجل منع نشوء أيّ واقع أو كيان كردي في سوريا، وإذا شاركت تركيا في الحرب على “داعش” في التحالف الدولي هذا يعني أنها تخوض الحرب جنباً إلى جنب مع حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي، وهذا في منتهى الخطورة بالنسبة للقوميين الأتراك، يجب على تركيا أن تعيد النظر في سياستها التي تتجه نحو العزلة والعداء لأي تطور في الوضع الكردي، جميعنا نتذكر ما أدلى به رئيس الحكومة التركية داوود أوغلو لـقناة “بي بي سي” البريطانية عندما قال: هناك ثلاثة أعداء لتركيا هم تنظيم داعش والنظام السوري وحزب العمال الكردستاني، وأيضاً سبقه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عندما اعتبر حزب الاتحاد الديمقراطي بأنه ارهابي مثله مثل حزب العمال الكردستاني، وقد تحدى الرئيس الأميركي باراك أوباما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس حكومته أحمد داود أوغلو عندما أعلن أنه يجب دعم المدافعين الكرد عن كوباني بالسلاح وإنهم ليسوا إرهابيين. هذا ما قاله باراك اوباما بعد يوم واحد من وصف رجب طيب أردوغان لحزب الاتحاد الديمقراطي بالإرهابيّ، بل ذهب باراك أوباما أكثر من ذلك عندما أمر بفتح ممر لنجدة كوباني بمقاتلين من اليبشمركة تحديداً، وبهذا أكد أوباما لا يمكن لتركيا أن تعترض لقرارات الإدارة الأمريكية وهذه ضربة لطروحات التركية بخصوص المسألة الكردية، كما أن القوة التي سوف تعتمدها أمريكا مستقبلاً في الحرب ضد داعش هي القوات الكردية تحديداً، لأن هذه القوات أثبتت بأنها القوة الوحيدة التي استطاعت أن تهزم أكبر قوة إرهابية على وجه الأرض.
غير أن الحكومة التركية وجدت نفسها في غاية الارتباك والحرج سواء في تعاملها مع ملف “كوباني” أو علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، وكان مشهد القوات الكردية أي البيشمركة التي عبرت الأراضي التركية لتساعد أعداء تركيا سوريالياً بكل المعايير، غير أن نتائج هذه السياسة العنصرية والشوفينية تجاه الكرد انقلبت وبالاً على تركيا فعجزت عن تحقيق أهدافها العدوانية تجاه شعبنا الكردي المسالم.
ولا شك أن مسار العلاقة بين تركيا والكرد ترك حفراً عميقة في الجسد الكردي ليس من السهل إزالتها وخاصة بسبب أحداث “كوباني”، وما الشروط التي طرحها المسؤولون الأتراك على الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي صالح مسلم بالتخلي عن فكرة الإدارة الذاتية للمناطق الكردية في سوريا، وبالطبع رفض مسلم الشرط التركي.
غير أن الرياح لم تجر كما تشتهي سفينة الحكومة التركية، ومن الصعب التنبؤ بما سيؤول إليه مسار المرحلة والتطورات الجارية في المنطقة، لكن أي تطور يحصل مستقبلاً سواء كان عسكرياً أو غيره لن يخسر الكرد شيئاً لأن جعبتهم بالأساس خالية الوفاض، وهي عبارة عن بعض الضحايا الإضافيين وهذا لن يؤثر في واقعهم العدميّ.

التعليقات مغلقة.