الكرد.. والاستراتيجية الأمريكية؟/ بير رستم

40

هل بير رستمنستطيع القول؛ بأن الكرد هم أكبر أو أكثر المستفيدين من سلسلة الثورات في البلدان العربية أو بما عرف بالربيع العربي وذلك على ضوء مفهوم “أن العبد لا يخسر إلا القيود”.. وهكذا؛ بأن الكرد وانطلاقاً من المقولة السابقة، ها هم (يخسرون) العبودية والذل والخنوع وهيمنة حكومات استبدادية.. وللجواب بشكل أدق، على السؤال السابق، علينا قراءة الواقع السياسي الكردي في عموم أجزاء كردستان.
ولنبدأ مع أكثر أوضاع الكرد تحقيقاً للمكاسب السياسية والحقوقية، حيث وعلى الرغم من نيل الكرد في الإقليم الجنوبي؛ كردستان (العراق) إلا أن الواقع الجيوسياسي لشعبنا كان – وما زال – يفتقر إلى الاعتراف الدولي والإقليمي به ككيان وشعب وأمة يعامل به على قدر المساواة مع بقية الشعوب والكيانات المجاورة وذلك على الرغم من خصوصية الإقليم الكردستاني كإقليم معترف به دستورياً ووفق عملية ديمقراطية، إلا أن نظرة وتعامل المركز بغداد كان- ولايزال – إلى الإقليم على إنه جزء ملحق وتابع للدولة العراقية وقد رأينا مؤخراً جملة المشاكل التي خلقتها حكومة بغداد السابقة؛ حيث عكست تلك المواقف رؤية بغداد لوضع الإقليم ومفاهيمها وقناعتها السياسية بصدد مجمل العمل السياسي التوافقي بحيث يمكننا القول: إنها تخضع للمزاجية السياسية للطرف الذي يتمسك بزمام الأمور في بغداد، ضارباً كل القوانين والدساتير بعرض الحائط وكأن المناطق الكردية ليست لها أي وضع قانوني ودستوري خاص، بل وكأن المناطق الكردية ما زالت خاضعة لاحتلال المركز بغداد.. طبعاً هذا هو الواقع في الإقليم, وجغرافيا الكردستانية يتمتع ببعص الخصوصية والاستقلالية، فماذا عسى أن تكون الأوضاع في الأقاليم والجغرافيات الكردستانية الأخرى، حيث القمع والإقصاء وسياسات الإنكار والنفي، وذلك على الرغم من بعض الحقوق الثقافية في كردستان (إيران) ومؤخراً في شمال كردستان.

أما نحن الكرد في غربي كردستان فكان الإنكار والإلغاء وسياسات البعث العنصرية والتعريب والملاحقات الأمنية للنشطاء والكوادر السياسية الكردية والسجن لسنوات طويلة بحجة “الانتماء لمنظمة سرية تعمل على اقتطاع جزء من الوطن وإلحاقه بدولة أجنبية”. وهكذا فإن وضع شعبنا كان – وما زال – كارثياً وذلك على المستوى الحقوقي والإنساني وفي مختلف أجزاء كردستان وبالتالي فإن أي تغيير في الوضع السياسي الراهن في المنطقة، سيكون الكرد أكبر المستفيدين منها وذلك على مبدأ “العبد لا يخسر إلا قيوده”، ولذلك ومن خلال هذه القراءة والرؤية، فإننا نقول: بأن الكرد وكجزء مهم وحيوي في الاستراتيجية الأمريكية، سوف يحققون المزيد من المكاسب السياسية.. وفقط ومن خلال مقارنة اليوم بالأمس وكذلك مقاربةً مع التجربة العربية في تحالفاتها الإقليمية والدولية بعد الحرب العالمية الأولى مع قوى التحالف – آنذاك-  ضد قوى المحور والدولة العثمانية، فإن العرب قد حققوا وبقيادة الشريف حسين مكاسب قومية مهمة وكانت البداية والانطلاقة في استقلال عدد من البلدان العربية من الاحتلال العثماني.
وهكذا, ها هم الكرد يعيدون التجربة العربية وينسقون مع قوى التحالف الغربي الأمريكي ضد القوى والدول العنصرية الغاصبة لجغرافيات كردستان وفي طريقهم إلى نيل حقوقهم القومية وذلك على الرغم من حجم المعاناة والانقسام وأصوات بعض مراهقي السياسة وهم ينسقون مع بعض القوى الرجعية في المنطقة وبنوع من الاستغباء السياسي ضد مصالح شعبهم وقضيتهم، وإن هؤلاء يذكروننا ببعض القيادات العربية العثمانكية ” العرب الذين كانوا ينادون بالتحالف مع الخلافة العثمانية ضد القوى الغربية أيام الحرب العالمية الأولى” وإننا نقول لهؤلاء “الكرد العربانكية”؛ بأن التاريخ سوف يلفظكم كما لفظ “العرب العثمانكية” قديماً وإن القضية الكردية في طريقها إلى تحقيق المزيد من المكاسب والنجاحات والانتصار في المنطقة وذلك مهما أدعيتم بأن الكرد سوف يخسرون من هذا التحالف، وها هو المنسق الأمريكي للتحالف الدولي يقول في آخر تصريح له: بأن “داعش ورط نفسه في كوباني ولا يستطيع السيطرة عليها”، بل ويضيف “بما أنهم يواصلون إرسال المقاتلين كتعزيزات سنواصل قصفهم وقطع خطوط امداداتهم.. وفي الوقت نفسه القيام بما يمكننا فعله لدعم المدافعين الأكراد عن المدينة.. وسينتهي الأمر بتنظيم الدولة الإسلامية بالاستسلام لأنه لن ينتصر في هذه المعركة”.. إذاً القرار الأمريكي هو عدم سقوط كوباني والتي باتت ترمز إلى عدم سقوط الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة والتي تعني في أكبر دلالاتها عدم سقوط المقاومة الكردية.. وإن نعيق بعض الرموز التي كانت تحتسب على المعارضة الوطنية وهي تخون الكرد وتصفهم بالعمالة لا يأتي من فراغ سياسي، وكانوا هم أنفسهم أكثر من ينادون بالتنسيق مع أمريكا، لكن بشرط أن يكون ذاك التنسيق لصالحهم وليس لصالح الكرد.
وفي الجانب الآخر والأهم؛ ها هو الرئيس البارزاني يؤكد مجدداً؛ “إننا مستعدون لإرسال المزيد من قوات البيشمركة إلى كوباني إذا احتاج الأمر” حيث وفي لقاء جمع سيادته مع رئيس وزراء تركيا صرح الرئيس البارزاني بأن “إرسال وحدات إضافية من قوات البيشمركة إلى كوباني .. يتوقف على تطورات الأحداث في كوباني مؤكدا بأنهم سيرسلون قوات إضافية إن اقتضت الحاجة لذلك”، بل ومن خلال تصريح رئيس الوزراء التركي “حول إرسال قوات البيشمركة إلى كوباني عبر الأراضي التركية أوضح أوغلو بأن ذلك يدل على علاقات التعاون و التنسيق الأمني بين تركيا و الإقليم مؤكدا استعداد بلاده للبدء بكل ما شأنه تحقيق التعاون الأمني بين الطرفين”. وهكذا فإننا نستدل ومن خلال مجمل التطورات الأخيرة للأحداث في المنطقة، بأنها تصب في خدمة القضايا والمصلحة الكردية، بل يمكننا القول: بأن الوضع السياسي العام في المنطقة وتطورات المواقف والأحداث السياسية _وفي إحدى أبرز عناوينها_ تدل على حجم ودور الكرد والإقليم الكردستاني؛ حيث الكرد من مكون مهمش ملغى سياسياً يتحول اليوم إلى طرف وشريك سياسي حقيقي في المنطقة، كونه بات الجميع يعلم بأن هناك استراتيجية غربية أمريكية جديدة في المنطقة وداعمة للكرد، مما يجعلهم أحد أهم اللاعبين السياسيين الجدد في المنطقة. ..فهل وصلتكم الرسالة أيها “الكرد العربانكية”؛ بأن الكرد هم أكبر المستفيدين من الواقع السياسي الراهن.

التعليقات مغلقة.