ذكرى ثورة الشيخ عبيد الله النهري/ عبد الباري خلف

56

شهعبدالباري خلفدت ساحة كردستان منذ مطلع القرن التاسع عشر العديد من الانتفاضات والثورات الكرديّة, والتي كانت بسبب مجموعة من العوامل والأسباب منها؛ عمق الشّعور القوميِّ, تردي الأوضاع العامة في الإمبراطوريّة العثمانيّة وتأثير الأفكار القوميّة الآتية من الغرب. ومن تلك الثورات ثورة الشيخ عبيد الله النهري في تشرين الأول 1880 م.
سبّبت الحرب التركية الروسيّة 1877 – 1878 م دماراً كبيراً في شمال كردستان حيث الحرب وما نتج عنها من مجاعة وطاعون, كما أشعلت هزيمة الترك أمام الروس النيران الكافية في نفوس الكرد للمطالبة باستقلالها. وقد اندلعت ثورة الشيخ عبيد الّله النهري من منطقة “شمدينان” التابعة لولاية “هكاري” جنوب ولاية “وان” على الحدود العثمانيّة الإيرانيّة.
بدأ النهري عام 1877م الإعداد العلني لثورته ضد السلطات العثمانيّة والإيرانيّة وتحرير الكرد من الاضطهاد والتمييز الذي كان يُمارس ضدهم.
انتشرت الثورة بسرعة واستطاعت قوات النهري السيطرة على المناطق والمدن الإيرانية وأنشأ فيها دوائر كرديّة رسميّة للإدارة المحليّة, فأرسلت تركيا جيشاً لمساعدة الجيش الإيراني في  إخماد ثورة الكرد وبناءً على اتفاق مسبق بين الطرفين لكن قوات النهري استمرت في تقدُّمها.
وعندما اقتربت من تبريز طلبت من إيران مساعدة الحكومتين الروسيّة والإنكليزية, فأرسلت روسيا جيشاً لمساعدة القوات الإيرانية من أجل إخماد الثورة الكرديّة. حاصرت الجيوش الإيرانية والتركية والروسية القوات الكردية من جميع الجهات واستطاعوا اعتقال الشيخ عبيد الّله النهري وأسرهِ في اسطنبول.
وتكمن أهمّية ثورة الشيخ عبيد الّله النهري في أنها:
–    أظهرت ولأول مرة في التاريخ الحركة التحرريّة الكردية بوادر الفكرة القومية الحديثة فالهدف الأساسي للثورة توحيد الكرد وإقامة دولة كردية.
–    لعلّ الأبرز في ثورة الشيخ عبيد الّله, تمكّن قائدها ولأول مرة بعد انهيار الإمارات الكردية في منتصف القرن التاسع عشر من جمع شمل معظم الشّعب الكرديِّ, عندما دعا زعماء القبائل والعشائر الكرديّة إلى اجتماع “شمدينان” في تموز 1880 م حيث شاركت في المؤتمر أغلب العشائر الكردية في شطري كردستان العثمانية والإيرانية وحضرها 220 زعيماً كردياً لإعداد الثورة ضد الدولة العثمانية والإيرانية.
-شكّلت هذه الثورة رقماً صعباً في المعادلة السياسية للمنطقة فقد أجبرت وقائعها الدول الكبرى و خصوصاً بريطانيا وروسيا على إعادة النظر في حسابيهما ووضع الكرد على رأس اهتماماتهما في المنطقة سلباً أم إيجاباً, لا التعامل معهم باستخفاف كما حدث في معاهدة “سان شيشمانو” ومعاهدة “برلين”. وعلـّق على ذلك الأسقف الأرمني( كريميان) بأنّ حركة الشيخ عبيد الّلّه “أحبطت عملية الإصلاحات الأرمنية وحولت الاهتمام من قضية الأرمن إلى قضية الاهتمام بالكرد”, لكن للأسف لم تستطع الثورة تحقيق أهداف الكرد كغيرها من الانتفاضات والثورات الكردية, فلم يتم توحيد شطري كردستان ولا تأسيس دولة كردية, وانتهت هذه الثورة لمجموعة من العوامل؛ منها ما تتعلق بخطة سير وقيادة الانتفاضة التي تمّ توجيهها من كردستان العثمانية صوب كردستان الإيرانية, وتفكك العشائر الكردية و عدم توحدها وتقديم الدّعم الكافي للثورة. وهناك عوامل خارجية؛ إذ لم يتمكّن قادة الثورة من كسب ولو دولة واحدة من الدول الكبرى إلى جانبها لدّعمها ماديّاً ومعنويّاً وعلى رأسها بريطانيا, وموقف الأرمن السلبي والمعادي للثورة واعتقادهم بأنّ الثورة ضدهم و للقضاء على مصالحهم, وكذلك موقف الدولة العثمانية المعادية والعاملة على إثارة الفتن والنعرات الطائفية بين الكرد والأرمن.

التعليقات مغلقة.