الكرد أكثر تقبلاً لحرية المرأة قياساً بالأقوام الإسلامية الأخرى / آلان بگو
لقد ترك الاحتلال البغيض على كردستان وشعبها المسالم آثاراً سلبيّة كبيرة من النواحي؛ الاجتماعيّة, الاقتصاديّة, السياسيّة وذلك بسبب التّعامل التعسفيِّ والإجراميِّ المُمنهج الذي كانت تُمارسها حكومات الاحتلال بحقهم, ومع ذلك بقي الشَّعب الكرديِّ محافظاً على قدرٍ كبيرٍ من أخلاقه وتاريخه وميثيولوجيته التي لا تنضب, معتمداً على كنوز عظيمة من إرثهِ التاريخيِّ الذي تركها له أجداده القدماء.
وحافظ على كيانه وبقائه وتجدده في الزمان والمكان, حيث أثبت أنَّه شعبٌ غنيٌّ يختلف عن الشعوب الأخرى بتراثه التاريخيِّ والحضاريِّ على الرغم ممّا تعرَّض له من ويلات ومآسي على أيدي محتليّ كردستان المجرمين.
ويجب ألّا ننسى جغرافية كردستان وطبيعتها الجبليّة الوعرة كانت دائماً ملاذاً آمناً للشَّعب الكرديِّ, وساعدته على الاحتفاظ بهويّته ولغته وعاداته وتقاليده وثقافته الراقية على مرِّ القرون, رغم كل الغزوات التي تعرَّض لها من قِبل الغزاة السامييّن قديماً. والغزوات العربيّة والتركيّة والفارسيّة بعد اغتصاب الإمبراطورية الميدية 550قبل الميلاد من قِبل الفرس بالغدر والحيلة.
يؤكد معظم المؤرخين بأنّ المدنيّة بدأت من كردستان ومع ذلك حافظ الشَّعب الكرديِّ- إلى جانب مدنيّته الراقية- على حياته؛ الرعويّة, والحضريّة, والزراعيّة التي ارتبطت بشكل مباشر بتأثير الطبيعة وما رافقتها من صفات الأنماط القبليّة والتّنقل والفروسية, وكذلك الكرم والشجاعة والمروءة والشهامة…. وغيرها من صفات حميدة.
لكن بعد تقسيم كردستان بين العراق وتركيا وسوريا وإيران وأرمينيا تأثّر الشَّعب الكرديِّ بعض الشيء بثقافة محتليه وعاداتهم السيئة والدخيلة على المجتمع الكردي.
شاركت المرأة الكردية على مرِّ التاريخ في العمل إلى جانب الرجل في تحَّمل متاعب ومشقات الحياة وساهمت بالقسم الأكبر في الحفظ على حماية الأسرة وتربية الأطفال, فقد كانت تعمل داخل المنزل وخارجه.
ولا زالت المرأة الكردية تعمل بالريف في مجال الزراعة وتربية المواشي والتحقت في المدينة إلى مجال التعليم وشغلت الوظائف وعملت في مجالات عدِّة منها السياسة.
ومنهن من أصبحن مناضلات في أعالي الجبال دفاعاً عن الحرية ولرفع الظلم والاضطهاد الممارس بحق أبناء شعبهم من قِبل الدولة المحتلة لأرضهم.
لكن من المفارقات التي أخذت طابعاً غريباً عن الثقافة الكردية القديمة والتي كانت للإسلام التأثير الأكبر والأكثر سلبية على المجتمع الكرديّ, من حيث حق المرأة في العمل خارج المنزل والتي تعود محرماتها إلى عدم الاختلاط مع الرجال.
فعلى مر الزمن ساهم الإسلام السياسي على فرض عادات وتقاليد غريبة على المجتمع الكردي أدى بهم إلى اضطهاد المرأة في الكثير من القضايا ومنها جرائم الشرف, فسيطر الفكر القبليّ والعشائريّ في بعض الأمور على المجتمع الكردي والذي أصبح العائق الأساسي في تطور المرأة.
لقد رصد الكثير من الرحالة والمستشرقين عادات وتقاليد كثيرة عن الشعب الكردي
حيث تختلف اختلافاً كلياً عن عادات وتقاليد الشعوب المحتلة لكردستان ومنهم الراهب الفرنسي (توماس بوا) حيث يتحدث في كتابه عن احترام الكرد للعائلات القديمة النبيلة.
ومعاملة الكرد لأحفاد رؤساء الأسر الطيبة وأيضاً احترام الأسر الدينية, وهذا يدل على وفاء الكرد لقادتهم السياسيين والدينيين والاجتماعيين.
وكذلك الأمر بالنسبة للمرأة ومكانتها المقدسة والمحترمة عند الشَّعب الكرديِّ وصلت إلى درجة التقديس والعبادة في بعض المراحل التاريخيّة القديمة, واستلمت القيادة السياسيّة في كافة الممالك والإمبراطوريات الكردية القديمة حتى على مستوى زعامة العشيرة وقيادة ثورات الكرديّة, يقول المؤرخ في هذا الصدد ” بأنّ الكرد هم أكثر شعوب المنطقة تسامحاً تجاه المرأة ويعطونها مكانة كبيرة ويقبلون بزعامتها”
وتشكّل العائلة الكردية أهم مصادر القيم السائدة في المجتمع الكرديّ.
خاصة إنّها تشكل وحدة إنتاجيّة تقتضي التشديد على العضويّة والتعاون والتزام الشامل بين أعضائها. ومن بين الاتجاهات القيمية التي تتصل اتصالاً مباشراً بالحياة العائلية ما يتعلق بدور المرأة في المجتمع الكردي, يؤكد مينورسكي: “بأنّ الشعب الكردي هم أكثر تسامحاً من جميع الشعوب الإسلامية الأخرى المجاورة تجاه المرأة” ويعني بالتسامح هنا حرية التعبير والرأي وإعطاء المرأة مكانتها التي تستحقها, وبذلك الكرد أكثر تقبلاً لحرية المرأة ومكانتها قياساً بالأقوام الإسلامية الأخرى مثل ؛الترك ,والفرس, والعرب الذي يصفهم مينورسكي ” بغير المتسامحة مع المرأة” ويعزى هذا الاهتمام النسبيّ بالمرأة الكرديّة عند الرجل الكردي وثقته العالية بها إلى أسباب وعوامل تاريخيّة ودينيّة وأنتروبولوجية ممتدة إلى عمق التاريخ الموغل في القدم.
وتعزى زعامة المرأة الكردية لأسباب منها؛ الحروب الكثيرة التي خاضتها الأمة الكردية ضد الغزاة والمحتلين والطامعين, وهناك حوادث تاريخيّة جرت كانت للمرأة الكردية دور بارز وإيجابي, نذكر ما ورد بكتابات أجدادنا الميديين (هيروديت )حيث كشفت مينا زوجة أحد الكهنة الزردشتيين عن خيانة هارباك وبعض القادة الميديين وتآمرهم مع الفرس ضد الملك ارتياك.
إنّ موضوع الحرية والتعددية والتسامح والديمقراطيّة احتلت موقعاً أساسياً ضمن المشروع النهضويّ الكرديّ الذي يلازم مسيرة الشَّعب منذ بداية التاريخ وحتى يومنا هذا.
ويمكننا ملاحظة هذا الإرث العريق في المؤسسات الكرديّة التي تتشكل يومآ بعد يوم غير آبهة بالظروف مستغلين أي انفراج وهامش للحرية لإعادة بناء ما هدمه المحتلون الغزاة.
ولو نظرنا الى المنجزات التي تحققت في كردستان روج سنرى كيف اتخذت قضية المرأة أهميتها في ضوء العلاقة العضويّة بين التّحول الديمقراطيّ وتحرير المرأة من ناحية وبالنظر إلى دور المؤكد للمرأة في شأن الكردي العام (تحريراً وتنميةً ووحدةً )من ناحية أخرى.
والنظر إلى قضية المرأة الكردية بأنّها قضية المجتمع الكردي الذي لا يزال يناضل من أجل حقه الإنسانيّ في حريته وتقرير مصيره بنفسه.
التعليقات مغلقة.