كفى تضليلاً لا انسحاب أمريكي ولا استبدال لقوات قسد
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
ليعلم الجميع، وبلا مواربة، أن الخبر المتداول حول انسحاب القوات الأمريكية من غربي كوردستان عارٍ عن الصحة تمامًا، ولا يستند إلى أي مصدر أمريكي رسمي، أو حتى قريب من دوائر القرار في واشنطن، إنها ليست أكثر من دعاية رخيصة، مكرّرة ككل مرة فشلوا فيها في كسر شوكة الصمود الكردي، فيبثّون أمانيهم المريضة عبر أبواقٍ إعلامية مأجورة، دُرّبت على التربص بالإدارة الذاتية وتشويه نضال شعبها.
ولفضح هذه الأوهام، جاء النفي الرسمي من وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) البارحة تاريخ 15/4/2025م التي أكدت أن ما نُشر عن انسحاب القوات الأمريكية من قاعدة عسكرية في دير الزور عارٍ عن الدقة، وأن الولايات المتحدة، كما هو معروف، تعيد تموضع قواتها دوريًا بما يتناسب مع احتياجات المهام، لا وفق أهواء المتربصين ولا وفق مخططات المحاور السوداء.
أما ما تحلم به تركيا، بأن تتولى هي وشبكاتها المرتزقة محلّ قوات سوريا الديمقراطية وقوات الحماية الشعبية، فذاك حلمٌ لن يتحقق، لا الآن، ولا في قادم الأيام، فواشنطن تدرك، بدقة التفاصيل، حجم التورط التركي في دعم تنظيم داعش، لوجستيًا واستخباراتيًا، بل وحتى في تسهيل عبور الإرهابيين من حدودها، ضمن سياسة باتت موثقة في تقارير دولية.
والولايات المتحدة تدرك تمامًا، أن تسليم تركيا وأذرعها الأمنية السجون والمخيمات التي تحتضن عناصر داعش في غربي كوردستان، لن يكون مجرد تغيير إداري، بل كارثة أمنية عابرة للحدود. فخلال أسابيع، ستتحول تلك الخلايا إلى قنابل موقوتة تتنقّل في عموم الجغرافيا السورية، وسنرى ذئابهم المنفردة تتسلل مجددًا إلى شوارع أوروبا وأمريكا، تُعيد مشاهد الرعب التي لطالما تظاهر العالم أنه قد طواها.
تركيا ليست شريكًا موثوقًا في محاربة الإرهاب، بل جزء من منظومته، حتى وإن ارتدت قناع الحلفاء، ومَن يروّج لإمكانية أن تؤول إدارة المنطقة إليها، إنما يخدع نفسه قبل أن يخدع جمهوره، أو يروّج لأجندات استخبارية صادرة من غرف الأمن التركي، المهووسة بكسر تجربة الإدارة الذاتية بأي ثمن.
فلتعلم الشعوب، وليفهم السياسيون، أن التشويش الإعلامي، وإن لبس ثوب الخبر العاجل، لا يغيّر الحقائق على الأرض، وأن الصوت الكردي، حين يُقمع في الإعلام، لا يختفي، بل يرتفع أقوى في الميدان.
وإلى أولئك المتورطين بنقل الدعاية، سواء عن جهل أو بتواطؤ، نقول: التاريخ لا يرحم من يبيع الحقيقة لقاء وهم، ولا من يستبدل دماء الشهداء بصدى أبواق مشبوهة.
التعليقات مغلقة.