متى يسقط الأسد؟ /ميشيل كيلو

22

92

لا أريد تحديد ساعة سقوط بشار الأسد، فأنا، بكل بساطة، لا أعرفها، وأعتقد أن إدعاء معرفتها لن يكون غير كذب وخداع. لكنني أعرف مسألة مهمة بالنسبة لنا نحن السوريين، هي أن بشار الأسد سيسقط حتماً، وسريعاً، في حال وفرنا شروط سقوطه الداخلية، وتفاعلنا بإيجابية، ومن موقع الاستقلالية – النسبية طبعا – مع عوامل إسقاطه الدولية، وأدركنا أن العالم يدخل، هذه الأيام، إلى منطق تغيير لن يتوقف عند شخص الأسد، بل يرجح أن يتعدّى سورية إلى بلدان عديدة في المنطقة، حيث تمس الحاجة إلى إقامة بيئةٍ تحصّنها ضد إرهابٍ تفشّى في كل موقع منها، ثمة، اليوم، إرادة سياسية وخيارات عسكرية دولية، هدفها إقامة هذه البيئة، باقتلاع نظام هنا وإصلاح آخر هناك، وإنشاء حاضنة عامة، دولية وعربية وإقليمية، تكون مترابطة الحلقات، تتكفل بإنجاز تحولٍ لا  يفضي إلى انهياراتٍ سياسيةٍ، تصعب معالجة نتائجها والتحكم بمسارها، يمكن أن تفيد إيران والإرهاب منها.

ماذا يعني التحالف الدولي غير تحقيق مهمتين رئيستين، هما، تغيير من أنتجوا الإرهاب في الماضي، ويمكن أن ينتجوه ويستعينوا به اليوم، لكي يبقوا في السلطة، وعلى رأسهم نظام الأسد في دمشق. والمهمة الثانية، تحول البلدان المتحالفة إلى جهات قادرة على الصمود في وجه الإرهابيين، وإزالة كل ما من شأنه تمكينهم من التكون والانتشار داخلها، بالإفادة من العيوب التي تسم أوضاعها.

يرتبط النجاح في محاربة الإرهاب بالنجاح في التصدّي لهاتين المهمتين، اللتين تعني أولاهما التخلص من بشار الأسد وأمثاله من المتلاعبين بأوراق الإرهاب، وثانيتهما التخلص من مفاسد وعيوب النظم التي تحتاج إلى إصلاح يحصن أوضاعها برضا مواطنيها، وخصوصاً الشباب منهم، ضد إغراءات الإرهاب وتهميشهم.

هل قرر التحالف الدولي إطاحة بشار الأسد؟ أعتقد أن القرار كان موجوداً منذ بدأت الثورة السورية، لكن رهانات الولايات المتحدة وسياساتها التي تتجاوز سورية، والتي استخدمت الصراع الدائر فيها لكي تصفي حساباتها مع جهات دولية وإقليمية، جعلتها تؤجل تنفيذه، الذي يرتبط اليوم بجملة قضايا متشابكة، منها: الضغط على روسيا وإيران، كي تتوقفا عن خوض معركة الأسد. ثمة علامتان ترجحان حدوث شيء من هذا، هما ضخامة قدرات التحالف الدولي الجديد، والذي لن يكون في مصلحة روسيا مواجهته أو تحديه، وسيكون من مصلحتها الانتساب إليه ولعب دور ما في إطاره.

وثانياً، رفض التحالف منح إيران أي دور في الحرب ضد الإرهاب، داخل العراق وفي سورية، مع ما يعنيه ذلك من تآكل محتمل، سيفرضه تهميشها على نفوذها وقدراتها في البلدين، وخصوصاً منهما سورية، حيث يتشابك وجودها مع النظام والإرهاب، وسيكون من الصعب عليها إبقاء نظام الأسد بعيداً عن الاستهداف والضغط العسكري، والنجاح في حمايته بواسطة أساليب التدخل المباشر التي تتبعها منذ بدء الثورة، ويحتمل أن تقيّدها خشية تعرضها، من الآن، لمواقف صعبة، يمليها تبدل موقف دولي صار هجومياً، تعبر عنه سياسات وتدابير عسكرية، تتجاوز الساحة السورية، يرجح أن تعزل أنشطة إيران وتقلصها، في العراق وعبره في سورية، بقوة ميزان قوى يستطيع وضعها، ووضع الأسد، تحت ضغوط يومية، يستبعد أن تعرض نفسها لها من أجل نظام تعلم أن باب عقد صفقة على رأس رئيسه سيظل مفتوحاً أمامها بصورة دائمة، بينما تتخلق شروط سقوطه، وتصير قابلة للتنفيذ، من دون موافقتها أو مشاركتها، بأدوات تحالف يعتبره من أركان الإرهاب، ويرفض التعامل معه، وقد يسدد غداً ضربات مباشرة، أو غير مباشرة، إليه.

ومن القضايا المتشابكة أيضاً، اختلاف الأوضاع بعد التحالف عنها قبله، أقله فيما يتعلق بسياسات باراك أوباما المتحفظة، والتي أطالت عمر النظام، ولعبت دوراً حال دون سقوطه. لا يمكن أن يكون أوباما قد بادر إلى خلق تحالف دولي لمحاربة الإرهاب، لكي يتمسك بسياسة غض النظر تجاه النظام والتحفظ الانسحابي حيال الثورة السورية، وسيكون عليه، بعد اليوم، أخذ مصالح وحسابات شركائه بعين الاعتبار، بما فيها التي كانت نقدية حيال سياساته. ولا يمكن أن يكون أوباما قد أسس تحالفاً دولياً، لكي يواصل غض النظر عن النظام الأسدي، أو يستمر في ممارسة سياسات التساهل والتفهم حياله، أقله لأنه لم يكن بحاجة إلى حلفاء ليفعل ذلك.

وثالثة القضايا المتشابكة، إعادة ترتيب البيت السوري المعارض، ليكون قادراً على جني بعض عوائد الحرب ضد الإرهاب. هنا عوامل ومستجدات مشجعة، أهمها أن الجيش الحر سيكون طرفاً رئيساً في حرب ضد الإرهاب، والنظام بادر إلى إطلاق رصاصاتها الأولى، من دون أي غطاءٍ، أو تنسيق دولي، بعد أن استهدفه الإرهاب، وسعى إلى القضاء عليه، وانتزع مناطق واسعة منه، كان قد طرد النظام منها. ومنها أن سقوط بشار الأسد سيعبر أكثر فأكثر عن قرارٍ دولي يأخذ اليوم بعداً تنفيذياً، سيكون الجيش الحر شريكاً فاعلاً فيه، سيقنع أداؤه العالم بأهلية المعارضة لإدارة بلادها بعد سقوط الأسد، وبقدرتها على منع الإرهاب من إيجاد بيئة ملائمة فيها بعد التغيير المنتظر. هل تعي قيادة الائتلاف هذه المسألة وتعمل لها، أم ستبقى غارقة في حساباتها الصغيرة ومشاريعها الوهمية؟ إذا كانت قيادته راغبةً حقاً في إسقاط الأسد، وكانت تعي ما يرتبه ذلك عليها من دور، فإنه يكون من واجبها المبادرة إلى تشكيل خلية أزمة وطنيةٍ، تضم سياسيين وعسكريين من أصحاب الخبرة والدراية، من أعضاء الائتلاف وغيرهم، مهمتها وضع استراتيجية وطنية شاملة لاسقاط الأسد ونظامه، تؤهل المعارضة للمشاركة من موقع قوي في الصراع الدولي ضد الإرهاب، استناداً إلى قتال الجيش الحر، منذ قرابة نيف وعام ضد طرفيه المتعاونين: النظام و”داعش”، ونجاحه في مواصلة القتال ضدهما، على الرغم من التجاهل الدولي لإنجازاته المشرفة، وإحجام العالم عن مد يد العون إليه، وحتمية أن يرجع عائد تضحياته إلى الثورة وحدها، وليس إلى أي طرف غيرها، وأن يسقط نظام الأسد الإرهابي بسقوط داعش وبالعكس، ويقوم نظام ديمقراطي على أنقاضه!

هل سيسقط بشار الأسد؟ الجواب: نعم، لأنه دخل دولياً في زمن سقوط، ولن يكون مصيره بالنسبة للتحالف الدولي الجديد مختلفاً عن مصير معمر القذافي بالنسبة للتحالف الذي أسقطه. هل تتوفر الشروط الذاتية، السورية، لسقوطه؟ لا، ليس بعد، لأن قيادة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية تلعب بمصير الوطن والجيش الحر، بدليل قرار رئيسه حل المجلس العسكري الأعلى، لأنه أقال من سيصوتون لرئيس الائتلاف السابق، أحمد الجربا، في انتخابات الرئاسة المقبلة، وليس لأي اعتبار وطني أو ثوري.

متى يسقط بشار الأسد؟ عندما ينجح الائتلاف والمعارضة في توفير شروط سقوطه، ويقنعان العالم بأنها قابلة للتحقيق، وأن البديل الديمقراطي مؤهل للقيام والعيش، وستكون له أنياب حادة يستطيع غرسها في جسد الإرهاب، الأسدي وغير الأسدي. هل سينجح الائتلاف والمعارضة في المهمتين؟ نعم، إن نجحا في الخروج من احتجازاتهما الذاتية وحساباتهما الصغيرة التي تشل فاعليتهما، وتغربهما عن الحراك الميداني السياسي والعسكري، ومن احتجازاتهما العربية التي سيمكنهما قيام التحالف الدولي من تخطيها، وسيجعل من الصعب على بلدان الخليج مواصلة خلافاتها حول سورية، في حين سيفضي انخراطها ضمن إطار دولي إلى توحيد جهودها، من أجل تحقيق هدفٍ لن يتهاون العالم في تحقيقه، هو القضاء على الإرهاب، وسيجعل وحدة الجيش الحر مصلحةً مشتركة لها، بعد أن عطلتها قيادات “الائتلاف” بصراعاتها التي حابت قطاعات منه، وأهملت أخرى، وافتعلت صراعات بينها أوصلتها في حالات كثيرة إلى الاقتتال.

هل سينجح التحالف الدولي؟ نعم، إذا ما نجح الائتلاف والمعارضة في تحقيق المهام التي تحدث نقلة نوعية في رؤاهما وممارساتهما، وتوحدّها على أرضية وطنية واضحة وصلبة. هل سينجح الائتلاف والمعارضة؟ هذا هو السؤال الحاسم الذي سيقرر نوع الرد السياسي والعسكري عليه كل شيء، وسيحسم، بين أشياء أخرى، مصير الأسد ونظامه الإرهابي.

عن العربي الجديد

 

التعليقات مغلقة.