مأساة اللاجئين السوريين والحلول العرجاء
خلال أيام قليلة تدفق أكثر من 130 ألف لاجئ سوري جديد الى تركيا.
أغلب هؤلاء اللاجئين هم من الأكراد السوريين الهاربين إثر سيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية» لعشرات القرى وحصاره بلدة كوباني التابعة لمحافظة حلب شمالي سوريا، وهذه أكبر وأسرع موجة نزوح شهدتها سوريا خلال الثلاث سنوات ونصف التي مضت منذ اندلاع الثورة، وذكرت مفوضية الأمم المتحدة العليا للاجئين ان الحكومة التركية والمفوضية تتحضران لاحتمال وصول مئات آلاف اللاجئين الاضافيين في الأيام القادمة، لينضموا إلى أكثر من مليون وثلاثمئة ألف سوري آخر سبق لهم أن نزحوا الى تركيا وكلّفوا الحكومة التركية ما يزيد على ثلاثة مليارات دولار، التي قامت أيضاً باستقبال لاجئين عراقيين إيزيديين وتركمانيين هربوا أيضاً من تقدم «الدولة الإسلامية»، كما استقبل الأنصار المهاجرين، على حد تعبير الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.
غير أن مشهد اللاجئين السوريين الى لبنان يختلف كثيراً، فاستجابة حكومة نجيب ميقاتي اللبنانية السابقة، والتي كانت خاضعة لنفوذ تيار 8 آذار الموالي للنظام السوري، كانت في التجاهل المبرمج للمشكلة ورفض تنظيم شؤون اللاجئين وإنشاء مخيّمات بشروط تتناسب مع المعايير الدولية لهم، فكان أن انتشر أكثر من مليون ومئتي ألف سوري في أنحاء لبنان، وهو ما يشكّل ربع عدد سكانه، وأدى ذلك، بالضرورة، إلى ظهور إشكاليات سياسية واجتماعية واقتصادية كبيرة للاجئين الذين لم تتعاطف معهم إلا مدن وبلدات السنّة المهمّشة والمفقرة، الأمر الذي عرّض هذه المدن والبلدات لتصبح الخاصرة الطريّة التي تستقوي عليها باقي فئات المجتمع اللبناني الطائفية والسياسية، وفعّل بالتالي آليات التطرّف والإنسلاخ لدى هذه البلدات والمدن عن المجتمع اللبناني والرفض للسلطة ومؤسساتها، بما فيها مؤسسة الجيش.
لبنان الذي ما زال يعاني آثار حرب أهلية طويلة وهيمنة عسكرية وسياسية سورية دامت 29 عاماً لم تترك البلد إلا بعد تأمين سيطرة عسكرية لحلفاء النظام السوري، وعلى رأسهم حزب الله اللبناني، الذي ردّ الجميل بانخراطه المباشر في حرب الرئيس السوري بشار الأسد ضد معارضيه، وهو ما جعل الساحتين متصلتين بشكل شديد الاشتعال وفتح الباب واسعاً لإمكانيات ضرب السلم الأهلي اللبناني الهشّ أصلاً.
تناقلت وسائل الإعلام الاجتماعية مؤخراً تفاصيل مؤلمة عن حملة مداهمات واعتقالات للاجئين السوريين في لبنان، في إضافة إلى ردود فعل مسيئة ومهينة شعبية وطائفية ضدهم تتكرّر كلما حصلت عملية ضد الجيش أو حزب الله، وهو أمر يعيد للذاكرة الأساليب نفسها التي كان يستخدمها الجيش نفسه ضد الفلسطينيين والتي كانت في خلفية الأزمات اللبنانية المستمرة منذ عقود، في استعادة مشؤومة للمعالجات العسكرية – الأمنية التي تخلّف أجيالاً ناقمة وندوباً لا تنمحي وتؤسس لعواقب خطيرة أكبر من سابقاتها.
غير أن اللوم لا يقع على اتجاه 8 آذار وحزب الله وحلفاء إيران وسوريا اللبنانيين فحسب، فالسعودية، كبرى رعاة اتجاه 14 آذار، وكبرى الدول السنّية في المشرق العربي، تعاملت مع الأزمة اللبنانية بعقلية الاستبداد نفسها، فبدلاً من اعتماد خطة إنمائية لمدن وبلدات السنّة المهمشين، الذين تزعم الرياض الدفاع عنهم، قرّرت دعم الجيش اللبناني بثلاثة مليارات دولار، في تعزيز لمنطق الكسر والغلبة، وكمحاولة لإبعاد الجيش عن نفوذ حزب الله، وهي خطة عرجاء وتفتقر الى الحكمة، فهي تتجاهل الإحباط العارم والحائط المسدود الذي دفعت إليه مناطق السنّة في لبنان وسوريا والعراق، مما دفع بأعداد كبيرة منهم نحو التطرّف والعمل مع تنظيمات مثل «الدولة الإسلامية»، كما تتجاهل أن الجيش هو محصّلة الوضع اللبناني المنقسم نفسه، وإذا كان ممكناً في لحظات تاريخية جمع النواب اللبنانيين وشراء اتفاقهم، فإن صكّ شراء الجيش اللبناني – في أوضاع الاستقطاب الكارثية في المنطقة – لا يمكن بحال صرفه وما هو إلا محاولة عبثية لمعالجة الأعراض وترك المرض العضال يستفحل.
عن القدس العربي
التعليقات مغلقة.