“أمريكا باقية”.. وقسد لم يعد تفصيلاً عابراً بل جزءاً من أمنها القومي
د. محمود عباس
أعيد وأكرّر:
مصالح الولايات المتحدة الأمريكية لا تسمح بسحب قواتها من سوريا، ولن تتركها لأي قوة إقليمية أو دولية.
وجودها في غربي كوردستان وتحالفها مع الإدارة الذاتية وقوات قسد، لم يعد تفصيلًا عابرًا، بل أصبح جزءًا من أمنها القومي، وأمن حلفائها، وعلى رأسهم إسرائيل.
الوجود الأمريكي لا يُقاس بعدد الجنود ولا بكثافة القواعد العسكرية، بل يُقاس بصلابة القرار السياسي السيادي.
وقد أكدتُ هذه الحقيقة منذ سنوات، حتى في عهد ترامب الأول، عندما حاول الانسحاب، فقوبل برفض صارم من البنتاغون والكونغرس. علما أن قواتها لن تقل عما كانت عليه، بناء على تصريحات البنتاغون.
وكررت ذلك قبل ثلاث سنوات، ردًا على الدعاية التركية المضلِّلة التي زعمت قرب التوصل إلى اتفاق مع أمريكا. يومها، وُصفت تلك التصريحات بأنها بروباغندا مهزوزة لا تصمد أمام أي تحليل استراتيجي جاد.
واليوم، يعيد البعض إنتاج الأكذوبة ذاتها تحت عنوان “الانسحاب الأمريكي”، بينما ما يجري فعليًا هو مجرد إعادة تموضع تكتيكي لبعض القوات، دون أن يمسّ جوهر الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة.
فأمريكا، كإمبراطورية عالمية، لن تسمح لتركيا أو لغيرها أن تتحكم بمفاصل أمنها الإقليمي، أو بأمن إسرائيل.
ولهذا، فإن تقليص النفوذ التركي في سوريا قادِم لا محالة، كما حدث مع روسيا وإيران. فقط المرحلة لم تحن بعد.
تركيا تدرك ذلك تمامًا، وتعيش في قلق وجودي من أن تجربة الإدارة الذاتية في روجآفا ستنتقل إلى الداخل التركي. ولهذا، يعارض هاكان فيدان، وبأمر مباشر من أردوغان، أي صيغة فيدرالية لا مركزية لسوريا المستقبل.
ومن شبه المؤكد مرة أخرى:
الولايات المتحدة لن تتخلى عن الكرد، ولا عن قوات قسد، لأن مصالحها تفرض ذلك، وهي تعلم تمامًا أن الكرد هم الحليف الأكثر موثوقية واستقرارًا في الشرق الأوسط.
وإلا فلماذا ترعى الخريطة السياسية الكردية؟ ولماذا تدفع باتجاه حوارات داخلية بين القوى الكردية. (فهي عرابة المؤتمر الوطني الكردي حتى ولو كانت بشكل غير مباشر) وحوارات أخرى مع تركيا والحكومة السورية المؤقتة؟
تركيا، بعدما فشلت في جميع محاولاتها للقضاء على الإدارة الذاتية، بدأت بالتحول التدريجي نحو قبول الحوار، أو لنقل تغيير بوصلتها بالتعامل مع إيران لمحاربة الكرد، إلى الحوار معهم وإن كان مشروطًا بضمانات أمنية.
لكن المعادلة باتت واضحة، الكرد اليوم ليسوا مجرد حلفاء للولايات المتحدة، بل أحد مفاتيح التوازن الإقليمي.
التعليقات مغلقة.