فخ الأردوغانيين الجدد

56

إميل أمين

هل بات الحرص والحذر أمراً واجب الوجود كما يقول الفلاسفة خوفاً من الوقوع في فخ «الأردوغانيين الجدد»، حفاري القبور، مروجي الكراهية؟

أغلب الظن أن ذلك كذلك، فقد فتح أردوغان الأيام القليلة الماضية باباً من أبواب التاريخ المغلق، ذاك الذي امتلأ بحزازات الصدور وأحداث الكراهية والصراع الدموي.

أرجع أردوغان العالم عن قصد إلى أزمنة المجابهات الدوغمائية عمداً لا عرضاً، وفيما الفاهمون يدركون ويتجنبون السقوط، يتسابق البسطاء بحسن نية إلى الصراع، وهو ينظر بابتسامة خبيثة إلى أهدافه الماورائية التي يسعى إلى تحقيقها، أي إشعال العالم برمته في حروب المعتقدات الإيمانية والدينية.

يقول الراوي إنه شاهد أردوغان يصطحب صموئيل هنتنغتون على شاطئ البوسفور، والأول ينظر أسفاً على أوروبا التي خذلته ورفضت عضويته، فيما الثاني يكتب له وصفة التفريق والتمزيق، عبر جدران حوائط تاريخية، كانت على مدار التاريخ بيتاً من بيوت الله، وها هو يتلاعب بها ضمن أطر صدام الحضارات والثقافات.

فخ الأردوغانيين الجدد يمضي قدماً نحو مزيد من شق الصفوف المجتمعية في عالمنا العربي، وإن وُجدت من حسن الطالع عقول تدرك الألاعيب التي يمارسها، وتحاول إفشالها قبل أن يمتد أثرها.

أردوغان المنهار داخلياً لم يجد إلا ورقة آيا صوفيا يلعب بها على مشاعر الداخل التركي المحتقن، ويصدرها إلى الطوابير الخامسة التي تتبع نهجه وتسير عبر مساراته ومساقاته السيئة السمعة في العالم العربي في لغة خشبية ملؤها الحقد والأوهام، إذ يجعل من إرجاع آيا صوفيا إلى مسجد مرة أخرى بشرى خير تهيئ المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لرجوع الأقصى المبارك.

نحن أمام مكر خبيث وفخ قاتل لا محالة، وإن كان المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله، فالذين قرأوا الرسالة باللغة الإنجليزية التي صدرها للغرب يرى التلاعب على الكلمات، والغزل على المتناقضات، كأن الغربيين من أوروبيين وأميركيين ليس لديهم من يقرأ العربية أو يترجم لهم ما وراء الكلمات من معانٍ ومبانٍ، تشي بنوايا صاحبها وشهوات قلبه.

الراسخون في العلم يدركون أن قرار أردوغان الأخير ليس إلا لعبة سياسية، وإن كانت على درجة كبيرة من الخطورة، إذ يحاول إظهار نفسه حامي حمى المسلمين، ومرجع الانتصارات العثمانية القديمة. وهو الذي يمحق المسلمين ويقتلهم في سوريا وليبيا من دون رحمة وجعل البلدين ساحة قتال لأحلامه الطوباوية.

الواقع يخبرنا أننا أمام ديماغوجي من الدرجة الأولى يتلاعب بمشاعر البسطاء والفقراء، أولئك الذين ينخدعون بالمظهر، ولا يرون بواطن الأمور الخفية، وعلاقة الأغا الذي كادت سفينة تركية تغرق في زمنه، مع ألد أعداء العروبة والقومية، مثل إيران، وأعدى أعداء الإسلام كما الوضع مع قوة إقليمية أخرى في الشرق الأوسط لا تغيب عن ذهن القارئ اللبيب.

الفخ الأردوغاني الذي نحذر منه، بات الكثيرون يقعون فيه عن غير قصد، ذلك أن الإغراق في النقاش حول المسائل التاريخية والقانونية، أمر يمثل ديالكتيك تاريخياً مفرغاً من أي محتوى حقيقي، يضيف للعالم العربي ولشعوبنا، في هذه الأوقات المأزومة أي قيمة مضافة كما يقول علم الاقتصاد، بل على العكس من ذلك يفرغ الداخل الوطني من أهم سلاح ألا وهو قوة وصلابة النسيج المجتمعي.

يعن لنا أن نتساءل مَن الطرف الخفي المستفيد من جب الكراهية الأردوغانية؟ من دون تردد، جماعات الإسلام السياسي الأصولي، وفي المقدمة منها «الإخوان المسلمون». هذا الفرع الأعوج المائل لا ينفك يعتبر إرهاصات أردوغان الظلامية بمثابة تأسيس وتجذير للعثمانية الجديدة، كأنهم يفرحون بالبقاء في عمق الأوهام.

كارثة الفخ أنه سيجتذب الملايين في الغرب من اليمين المتشدد على كل أشكاله وألوانه الكارهين للمسلمين، وسيدفع في طريق تأجيج نيران الإسلاموفوبيا من جديد، بل ومن أسف سوف يعزز طروحات سيئة السمعة من عينة «أسلمة أوروبا»، ويروج لكتابات عنصريين من نوعية إريك زامور، وأراجيفه.

خسرت تركيا كما يقول أورهان باموق كاتب نوبل التركي، بقرار أردوغان، علامة الفخر والحداثة التي اعتبر أنها تميزها عن غيرها، وعوضاً عن أن تكون جسراً بين الشرق والغرب، صارت جداراً عالياً يمنع من اللقاء الإنساني الرحيب.

المطلوب الآن أعلى درجة من درجات الوعي المجتمعي لمواجهة أردوغان، ومشروعاته التي تحمل سموماً مادية وأدبية، كي لا يقع العالم في فخ نصبه الوهم لصاحبه.

 

نقلا عن الشرق الأوسط

التعليقات مغلقة.