السوريون/ عبده وازن

26

Mideast Lebanon Refugee Fears

 

 

 

 

 

 

 

روى كاتب سوري كيف تعرض للإهانة و «التعذيب» النفسي على يد الأمن العام اللبناني، لدى اجتيازه الحدود بين لبنان وسورية. لم يغادر هذا الكاتب الصديق بلاده لاجئاً إلى لبنان، بل كان متوجهاً إلى مطار بيروت ليسافر إلى بلد عربي، ملبياً دعوة للمشاركة في ندوة أدبية. قال إن الذل الذي عاشه في الساعات التي قضاها منتظراً تحت الشمس دفعه إلى لعن اللحظة التي ولد فيها عربياً. أوراقه رسمية جداً، واسمه ليس مدرجاً في قائمة المطلوبين، لكنه النكد الذي بات يمارس الآن على السوريين أين ما كانوا، في سورية أم في لبنان أم على الحدود. لم يتمالك كاتبنا عن ذرف بضع دمعات على النسوة والأطفال الذين منعوا من الدخول، فعادوا أدراجهم إلى بلاد الخوف والموت.

هل دخل اللبناينون زمن «العنصرية» و «الشوفينية» و «الفوبيا السورية»؟ القرار الذي أعلنته بلديات عدة في مناطق لبنانية عدة ويقضي بمنع السوريين من التجوال بين الساعة السابعة مساء حتى السادسة صباحاً، يؤكد أن أطياف «العنصرية» بدأت تلوح في لبنان. هذا ضرب من الإذلال يشبه الأعمال الشنيعة التي مارستها النازية على اليهود في ألمانيا وسواها. أيها السوري الغريب أنت ممنوع من ممارسة حياتك خارج دوام العمل، اشتغل واختبئ، وإلّا…

أما المستغرب فهو أن تُجمع مناطق عدة على هذه «الفوبيا» السورية، وأن يتفق لبنانيون كثر على اضطهاد هؤلاء المواطنين المقتلعين واللاجئين. اللبنانيون الذين يختلفون في كل أمر تقريباً، طائفياً ومذهبياً وسياسياً و «فكرياً»، وفي مفهوم الانتماء والهوية والوطن التقوا حول هذه «الفوبيا». معظم اللبنانيين الآن يلقون على السوريين عبء الأزمات التي يعانونها. يلقون على كاهلهم مشكلة الكهرباء والماء والغلاء… مشكلة الخطف والسيبان الأمني والسرقات والجرائم. وينقص أن تُرمى عليهم أيضاً تهمة تعطيل الرئاسة الأولى. بات السوريون مضطهدين في المناطق المسيحية وفي المناطق الشيعية والسنّية وسواها. لم تبق لهم منطقة يلجأون إليها. المسيحيون ينتقمون من أعوام الاحتلال السوري الذي دمر لبنان وآذاهم، الشيعة يتهمونهم بـ «الداعشية» و «النصرية» والسنّة بـ «البعث» والانتماء إلى النظام. إنهم متهمون في كل الجهات.

لم تبلغ «الشوفينية» اللبنانية إزاء «الغريب» ما تبلغه اليوم حيال السوريين. قد يحق لهم ربما أن يكرهوا النظام السوري الذي احتل لبنان في جريرة الأخوّة والدعم العسكري وكذبة الصمود والتصدي، فنهب ما نهب وقتل من قتل ودمر ما دمر، ناهيك عن إذلال الناس وتحطيم صورة لبنان وقمع الحريات والهيمنة الاستخباراتية… وعندما اجتاح العدو الإسرائيلي لبنان عام 1982، فرّ الجيش السوري بسرعة. لكنّ النظام البعثي الديكتاتوري ليس الشعب السوري ولا هو سورية ، بل إن المواطنين السوريين عانوا كثيراً تحت وطأة هذا النظام، أُذل بعضهم وجوّع بعضهم وسجنوا وعذبوا.

عندما انسحب جيش الاحتلال السوري غداة إعلان «ثورة الأرز» انطلاقاً من قلب بيروت، راح بعض اللبنانيين يعبّرون عن حقدهم الذي كان مقموعاً، على هذا الجيش، فاضطهدوا عمالاً سوريين أبرياء. وسرعان ما تم لجم حركات الانتقام هذه. لكنّ العين كما يُقال ظلت مفتوحة عليهم. واندلعت الثورة السورية من ثم وفتحت أبواب اللجوء، وانطلقت قوافل المهجرين الذين هدم النظام بيوتهم وأحرق حقولهم. كان هؤلاء هم الضحايا الأحياء مقابل الضحايا الذين قتلوا بالمئات ثم بالألوف.

بدت مشاهد اللاجئين السوريين مأسوية وأليمة جداً. صرت ترى في بيروت وشوارعها مواطنين يحملون حقائب، ينامون في العراء، تحت الجسور، في الحدائق المهجورة وبين الخرائب. على الطرق تلمح أطفالاً ونسوة يستعطون، وفي الساحات عمالاً ينتظرون رزق نهار لا يكاد يسد رمقهم… أناس كرام، على وجوههم سمات الطيبة والبراءة، وجدوا أنفسهم بين ليلة وأخرى مشردين وهائمين لا بيت ولا مال… ليس هؤلاء سارقين أو قتلة. لو كانوا هكذا لما تهجروا. وإن ارتكب بضعة أشخاص منهم جنحاً وجرائم وسرقات في أوج فقرهم واحتياجهم، فليس كل السوريين هم من يتحملون هذا الوزر. أما ساكنو الخيام التي نصبت في القرى والمناطق البعيدة لتصنع ما يشبه المخيمات «المرتجلة»، فهي مراتع البؤس الحقيقي، تحت الشمس اللاهبة صيفاً، في البرد القارس شتاء، في مهب النيران الملتهمة وعواصف الثلج الجارفة.

الظلم الذي يقع على السوريين في لبنان قاس ولا يحتمل، والصمت حياله أشبه بخطيئة لا تُغتفر. كل أحقاد الماضي يجب أن توضع جانباً. ليس الوقت الآن ملائماً للانتقام، وممن؟ من الضحايا. آثام النظام ارتكبها النظام ورموزه ضدنا نحن وضد الضحايا السوريين. أما الإشكالات الثقافية والسياسية التي طويلاً ما اعترت العلاقة بين اللبنانيين والسوريين فهي تنتظر الفرصة الملائمة ليعاود الطرفان النظر فيها.

عن الحياة

التعليقات مغلقة.