رفع العُزلة عن أوجلان… تحييد الأكراد في انتخابات إسطنبول
شيرزاد اليزيدي
بعد سنوات طوال من العُزلة المُطبقة على الزعيم الكردي عبدالله أوجلان، ومنع لقاءه بمحامييه، في خرق فاضح لأبسط قواعد حقوق الإنسان والعهود والقوانين الدولية الناظمة لحقوق الأسرى والمعتقلين، لاسيما السياسيين منهم، والتي تهدف إلى منع التعذيب والعزل، هبط، وبقدرة قادر، على وزارة العدل التركية الإلهام الحقوقي والديموقراطي والإلتزام بشرعة حقوق الإنسان الدولية، إذ تم إفساح المجال أمام أوجلان للقاء محامييه، ليصدر بعد ذلك قرار برفع العُزلة عن الزعيم الكردي والسماح بزيارة محامييه له دورياً.
لا ريب في أن هذه الخطوة لم تأت إعتباطاً ولا مصادفة، بعد أيام قليلة من قرار إعادة الإنتخابات البلدية في إسطنبول، إثر إبطال نتائجها بفعل تدخل الحكومة وأجهزتها الخفية التي لها غاياتها المكشوفة من هذا الإنفتاح على أوجلان، والسماح له ببث الرسائل وإبداء المواقف، وتحديداً بعد هزيمة “حزب العدالة والتنمية” في إسطنبول، التي لا يخفى أن الأكراد فيها يشكلون النسبة الأكبر والأهم في معادلات التاريخ والسياسة والثقافة والإقتصاد، وهم من حسموا معركة الانتخابات البلدية فيها لصالح مُرشح “حزب الشعب الجمهوري” إكرام علي أوغلو على حساب مُرشح الحزب الحاكم ورئيس الوزراء بن علي يلدريم.
مسعى حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان لتوظيف ورقة رفع العُزلة الموقت عن أوجلان، في صفقات غير مباشرة وتفاهمات أمر واقع مع الأكراد، يهدف أقله إلى ضمان عدم تصويت الكتلة الكردية الناخبة والوازنة في انتخابات الإعادة الشهر المقبل لصالح “الشعب الجمهوري”. وهو بلا شك تكتيك مكشوف لا عبقرية في تلمسه، لكن الخشية أن ينساق الجانب الكردي وراء هذه الخديعة، ويسهم في انتشال الأردوغانية من هزيمة مُحققة ثانية في إسطنبول، إن لم تكن هناك طبعاً عمليات تزوير منظم واسعة النطاق ما سيشكل ربما بداية نهايتها وسقوطها.
وعلى رغم أن “الشعب الجمهوري” ليس بالبديل الصحي والديمقراطي المأمول عن “العدالة والتنمية”، خاصة في ما يتعلق بحل القضية الكردية في تركيا ديموقراطياً وسلمياً، لكن ألف باء السياسة تقتضي المفاضلة العقلانية الباردة بين الخيارات، وانتقاء السيء بدل الأسوأ. فهزيمة الأردوغانية مصلحة كردية وتركية في آن معاً، وهي مصلحة عربية وإقليمية ودولية. ذلك أن الرجل، عبر مشروعه النيو عثماني و”الإخواني”، بات خطراً وجودياً يتهدد تركيا بالدرجة الأولى، ومختلف دول الإقليم، وتحديداً العربية منها، بدءاً من ليبيا، وصولاً إلى الخليج. إذ إن تركيا تحتل الآن أجزاء واسعة من شمال العراق وشمال سورية. والنفخ المتصاعد في دعاواها وأطماعها التاريخية في الموصل وحلب، على سبيل المثال لا الحصر، ليس مجرد لغو أردوغاني حالم ببعث السلطنة البائدة، بل تعبير عن مشروع توسعي خطر، هدفه بسط السيطرة على المنطقة تحت شعارات شعبوية إسلاموية، لا تفلح في إخفاء النزعة الفاشية الطورانية الصادرة عنها والمؤسِّسة لها.
كما أنه محاولة لدغدغة مشاعر الكرد وخطب ودهم عشية إعادة انتخابات بلديات إسطنبول، التي على ضوئها سيتقرر مستقبل الرئيس التركي، الذي يُدرك تماماً أن العامل الكردي كان الحاسم في سقوطه الإسطنبولي المدوي قبل أسابيع. وهو (أردوغان) يهدف عبر هذا الرفع الموقت للحظر عن أوجلان، إلى كسب الصوت الكردي المُرجح، أو تحييده على الأقل، من خلال عدم تصويت الأكراد لمُرشح المعارضة الرئيس، كما فعلوا أخيراً. فهل يعي الجانب الكردي خطورة تفويت هذه الفرصة لدحر الأردوغانية؟ أم أن تضخم الأنا الأوجلانية، والتقديس الذي يُسبغ على زعيم “العمال الكردستاني” في أوساط حزبه وأنصاره، قد يدفعهم لعدم رؤية ما هو أبعد من أنوفهم، واختزال كل شيء وأي شيء كعادتهم في شخص الزعيم، عاجزين عن فهم مغزى المراوغة الأردوغانية، التي لا يختلف عاقلان على طبيعة خلفياتها وبواعثها المصلحية الآنية، ذلك أن طبع أردوغان وتطبعه، سيغلبان فور الفوز في الانتخابات المُعادة، وستعود لُغة الحديد والنار والعُزلة والحصار، لتكون عناوين سياسته الكردية العريضة.
نقلا عن الحياة
التعليقات مغلقة.