سوريا في العام القادم

53

جوان اليوسف

 

من الواضح أن الأهداف المعلنة للدبلوماسية الأمريكية مؤخرا هي عرقلة أو إنهاء مسار «آستانة» والعودة إلى مسار جنيف وهي ما ترفضه روسيا وإيران بشدة وتركيا بنعومة، وهذا ما قد يفتح الباب لتركيا وإيران وروسيا للاستثمار في داعش لمواجهة العرقلة الأمريكية.

إن تم ذلك _وهو غير مستبعد_ فإن الأمور ستذهب إلى المزيد من الاستثمار الأمريكي في روجآفا، وأعتقد أنها الحالة الوحيدة التي ستكون لصالح الكرد

توحي التطورات الميدانية والهدوء النسبي الذي يخيم على الجبهات بانطباعاتٍ ظاهريّة خادعة، تقول:” إن الأزمة السورية في طريقها إلى الحل، وإنّ الاتفاق بين القوى المتصارعة قاب قوسين أو أدنى من الحل النهائي في بداية العام القادم”.  إلا أن لوحة الصراع وبروز نتوءات جديدة تشير إلى أن الأزمة تتجه نحو المزيد من التعقيد، نعم ظاهريا تراجعت العمليات العسكرية بين النظام والفصائل العسكرية إلى حدها الأدنى لدرجة الهدوء، باستثناء جبهة إدلب التي ماتزال على صفيح ساخن.

 بهذا المعنى فإن الحرب بالفعل هدأت في سوريا والأمور تتجه إلى حل سياسي رغم المعوقات؛ لكن من المبكر القول إنها انتهت ويبدو أنها لن تنتهي في العام القادم، أيضا  .

 حتى الآن انتصر الروس والإيرانيون عسكريا، لكن انتصارهم لم يكتمل، فهناك أكثر من نصف مساحة سوريا خارج سيطرتهم ومازال الاتفاق الثلاثي الروسي الإيراني التركي،  يترنح في إدلب، وهو انتصار رمزي مالم يتوج سياسيا، وكل الدلائل تقول إن تركيا لا تستطيع أو لا تريد تنفيذ الاتفاق .

لا شك، أن إيران وروسيا حققتا انتصارا عسكريا؛ لكنه قلق ويستند إلى رؤية مختلفة لكل منهما عن الآخر ومتضاربة، فروسيا تريد أن تعيد كيان “الدولة ” وترسيخها للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية مستقبلا، وإيران تريد سوريا ممرا لها وقاعدة لربط نقاط نفوذها من طهران مروراً بالعراق وسوريا إلى لبنان، بالمحصلة تريدها منصة انطلاق نحو امتلاكها نفوذا أكبر في المنطقة. رؤيتان متضاربتان لم يظهر الخلاف حتى الآن للعلن لأن روسيا تريد إيران لمواجهة النفوذ الأمريكي وإيران تريد روسيا ظهيرا لها لمواجهة أمريكا وهي نقطة هامة وجوهرية تمنعهما من المواجهة في المدى المنظور.

لكن المستفيد الأكبر من الانتصار العسكري الروسي والإيراني هو تركيا التي عززت وجودها عسكريا في مناطق “درع الفرات” واحتلت عفرين باتفاق مع الروس رغما عن إرادة ايران التي حاولت جاهدة تحجيم الدور التركي في البداية، لكن ضرورة مواجهة التحالف الأمريكي السعودي والأمريكي الكردي جمعهما على مَضَض.

وبالرغم أن تركيا تشكل الآن الضلع الثالث للتحالف الروسي الإيراني إلا أنها تفترق معهما في مواجهة حليفهما التقليدي أمريكا، وتتفق معهما في مواجهة الاستراتيجية الأمريكية في سوريا؛ المتمثلة في دعم قوات سورية الديمقراطية ومحاربة تنظيم داعش. كما أنّها تتفق مع إيران في جعل سورية دولة فاشلة لمدة أطول كي تحافظ على وجودها العسكري في عفرين ومنطقة درع الفرات، بينما تختلف مع روسيا في مصير الأسد أو أي نظام آخر لا يكون لحلفائها حصة الأسد فيه .

أمريكا التي استمرت بخطى حثيثة في محاربة داعش شرق الفرات هي العقدة التي تقف عندها المشاريع الثلاثة السابقة:  فهي تعرقل إمكانية قيام “دولة” يقودها الأسد أو غيره بالمفهوم الروسي، وتعيق الدور الإيراني وتعمل وفق استراتيجية طويلة المدى لتحجيم دورها العسكري في المنطقة؛ وهي استراتيجية أضافها ترامب إلى الاستراتيجية الأمريكية في سوريا بعد انسحابه من الاتفاق النووي الإيراني .

 في غضون ذلك، الوضع المعقد بين تركيا وأمريكا نتيجة دعم الأخيرة لقوات سورية الديمقراطية أو للأكراد بتعبير الدولة التركية؛  فأمريكا تُعتبر حجر عثرة حقيقية في وجه تقدم تركيا في شرق الفرات وهي المنطقة التي تسيطر عليها القوات الكردية.  

إذن، ماتزال الملفات متشابكة جداً ومُعقَّدة، والملف الأساسي والأهم هو “داعش” الذي مازال يشكل هاجسا لأمريكا والذي سيكون التوظيف فيه من قبل تركيا أو ايران الأكثر خطورة في المرحلة القادمة ومرشح لفتح مسارا جديدا في الحرب السورية _وإن حدث_ فهذا يعني أن أمريكا ستدخل النفق الذي دخلته في أفغانستان والعراق سيّما أن سياستها حتى الآن تتحرك في فراغٍ دبلوماسي.

 واشنطن التي أعلنت سابقا رفضها المشاركة في إعادة الإعمار قبل إتمام التسوية النهائية وهي أوراق ضغط حقيقية على موسكو، عادت لتؤكد بضرورة إنهاء ملف اللجنة الدستورية قبل نهاية العام، لكنها لاتزال تستخدم دبلوماسيتها الناعمة جدا فيما يتعلق بتركيا وروسيا.

ومن الواضح أن الأهداف المعلنة للدبلوماسية الأمريكية مؤخرا هي عرقلة أو إنهاء مسار «آستانة» والعودة إلى مسار جنيف وهي ما ترفضه روسيا وإيران بشدة وتركيا بنعومة، وهذا ما قد يفتح الباب لتركيا وإيران وروسيا للاستثمار في داعش لمواجهة العرقلة الأمريكية .

إن تم ذلك _وهو غير مستبعد_ فإن الأمور ستذهب إلى المزيد من الاستثمار الأمريكي في روجآفا، وأعتقد أنها الحالة الوحيدة التي ستكون لصالح الكرد، مما يسبب حالات من عدم الاستقرار، ويثبت أن الحرب في سوريا لم تنتهِ بعد.

نشر هذا المقال في العدد /86/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 15/12/2018

 

 

التعليقات مغلقة.