تحقيق: فنصة تمو
معاناةٌ عمرها عقود تتجسد كل لحظة في حياتنا وحياة أطفالنا ولازالت, أبسط وصفٍ لها أنك موجود ولكن لا إثبات لوجودك. بهذه العبارات بدأ (حسين عبد الله – اسم مستعار), حديثه لـBuyer وهو مكتوم القيد واحد من بين 150 ألف كردي حُرِّموا من حقوق المواطن السوري في (العمل والتوظيف والملكية) خلال الإحصاء الذي جرى في مناطق الجزيرة بموجب مرسوم تشريعي صُدِر في عهد الرئيس السوري “ناظم قدسي” في 23 آب 1962 وطُبِّق بتاريخ (5 / 10 / 1962). يقول :” أنا مكتوم القيد متزوج ولدي ثلاثة أطفال, لا أملك أية أوراق تثبت الحالة العائلية لي وكذلك أطفالي, نحن محرمون من أبسط حقوقنا لا دراسة ولا توظيف ولا مستقبل لأطفالنا”.
(محمد علي – اسم مستعار ) وهو من سكان مدينة قامشلو مكتوم القيد بموجب الإحصاء المذكور, لم تختلف معاناته عن غيره من مكتومي القيد. والذي تضمّن تجنيس الأجانب من الكرد ولم يدخّر جهداً لتسوية وضعه وراجع المعنيين في محافظة الحسكة أكثر من مرة، وكذلك توجه إلى العاصمة دمشق ولكن محاولته بائت بالفشل، وقال:” المحامي الذي قصدته في العاصمة أجابني ليس بالإمكان عمل أي شيء لكم فأنت من كرد الجزيرة والأمر متعلق بالوضع السياسي للكرد في الجزيرة”.
” نطلب من الإدارة النظر في وضعنا وأخذه بعين الاعتبار وخاصة فيما يتعلق بالحواجز الأمنيّة، فأولادنا يعانون كثيراً من هذا الأمر؛ حيث القائمين على الحواجز لا يعترفون بـما نحمله من ثبوتية (شهادة تعريف) ويطلبون أوراق ثبوتية أخرى ونريد منهم إيجاد حل بديل لشهادة التعريف أو إصدار قرار رسمي بمنحنا بطاقة أو ثبوتية تحول دون تعرضنا للمسائلة والاعتقال”.
الإحصاء الجائر :
منذ صدور قرار الإحصاء عام 1962 وإلى تاريخ اليوم يعاني الكرد من مكتومي القيد والمسجلين كأجانب, يقول المحامي موسى عثمان :” مكتومو القيد لا قيود لهم في مديرية الأحوال المدنيّة في محافظة الحسكة وهم مجردون من الحقوق المدنيّة والسياسيّة “.
وأضاف:” ولا يحق لهم تثبيت وقائع الزواج في سجّلات الدولة, والحصول على شهادة ميلاد لأولادهم، ويصعب عليهم تثبيت وفياتهم، ويعانون من تسجيل أطفالهم لدخول المدرسة وإتمام تعليمهم، وكذلك لا يحق لهم العمل في الدوائر والمؤسسات والشركات. إضافة إلى حرمانهم من حق الاستفادة من القروض التي تمنحها البنوك العامة والخاصة بشكل عام، ولا يحق لهم خدمة العلم، ولا يمنحون جوازات سفر ومن ثم لا يتمكنون من السفر إلى خارج البلاد، ويُحرَّمون من الحقوق المدنية المنصوص عليها في الدستور كحق الترشيح والتصويت”.
“سمر حسين الرئيسة المشتركة لهيئة العمل والشؤون الاجتماعية في إقليم الجزيرة: “يتم التعامل مع الاشخاص المكتومين ممن يتقدمون بطلبات تشغيل للحصول على وظيفة تقديم شهادة تعريف من الكومين, وتعتمد هذه الورقة كسجّل أو كثبوتية بدلاً من الهوية الشخصية له ويعامل معاملة الشخص المواطن”.
تجدُّد المعاناة :
يسترسل (محمد علي) في الحديث عن معاناته المتجددة والتي وصفها بأنّها لا تنتهي:” عانينا كثيراً أثناء التنقُّل بين المحافظات السورية سواءً عن طريق شركات النقل البري أو شركات الطيران, لعدم قبولهم لما نحمله من أوراقٍ ثبوتية والتي كانت عبارة عن شهادة تعريف”.
ويضيف واليوم تكاد تتجدد تلك الصورة حيث نواجه بعض الصعوبات على بعض الحواجز الأمنية التابعة للإدارة الذاتية، ففي كثير من الأحيان يطلبون منّا أوراق ثبوتية أخرى سيّما أولادي الشباب, واكتمل الوجع قالها بنبرة يشوبها حزن شديد حين حُرِّمنا من الدخول إلى إقليم كردستان كوننا مكتومي القيد” .
ومع تأسيس الإدارة الذاتية في روجآفاى كردستان والتي تم الإعلان عنها في 21 كانون الثاني (يناير) من عام 2014انخرط عددٌ كبير من مكتومي القيد في العمل ضمن الهيئات الخدميّة التابعة للإدارة، وبحسب ما ذهبت إليه سمر حسين الرئيسة المشتركة لهيئة العمل والشؤون الاجتماعية في إقليم الجزيرة خلال تصريحها: “يتم التعامل مع الأشخاص المكتومين ممن يتقدمون بطلبات التشغيل للحصول على وظيفة تقديم شهادة تعريف من الكومين, وتعتمد هذه الورقة كسجّل أو كثبوتية بدلاً من الهوية الشخصية له ويُعامل معاملة الشخص المواطن”.
إلا أن البعض لازال يلاقي صعوبة كبيرة في إيجاد وظيفة و(حسين عبد الله ) يقول بصدد ذلك:” حين تقدمت بطلب توظيف كسائق لدى هيئة التربية التابعة للإدارة الذاتية, رفضوا طلبي وقالو لي أنك مكتوم القيد ولا يمكننا قبول طلبك”.
وعن المساعدات الإنسانيّة التي يتم توزيعها عن طريق الكومونات، أضاف عبدالله قائلا “يتم رفض تقديم المعونة لنا لأننا مكتومو القيد”.
وعن مواجهة مكتومي القيد الصعوبات كالتوظيف وحرمانهم من بعض الحقوق أوضح حسين عزام نائب الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي في مقاطعة الجزيرة: “نحن كإدارة ذاتية نتعامل مع مكتومي القيد كمواطنين سواءً في التوظيف أو المساواة أو العمل وليس هناك فرق بينهم وبيننا، وكإجراءات إدارية يُطلَب منهم تقديم شهادة تعريف من الكومون أو من الناحية “
وأضاف:” ليست هناك قرارات بشأن المكتومين ولكن العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية يكفّل ويضمّن التساوي بين الجميع في الحقوق”.
وفي محض سؤال فيما إذا كان ملف مكتومي القيد سيكون ضمن ملفات النقاش في اللقاءات بين ممثلي الادارة الذاتية والحكومة السورية, أكد عزام:” أن ملف مكتومي القيد سيكون ضمن ملفات النقاش وسنطرحها من كلّ بد إذا كان النظام جادّاَ في الجلوس إلى طاولة المفاوضات”.
رسائل برسم الإدارة الذاتية:
نحن كرد وأبناء هذه الأرض أيضاً ولدنا وكبرنا في كنفها أما آن الأوان لكي ننال _نحن وأولادنا بعد سنوات طويلة من الحرمان من أبسط حقوقنا_ بعضا من الانصاف كلماتٌ توجه بها (عبد الله ) إلى الإدارة الذاتية.
ويضيف عليه (محمد علي ) :” نطلب من الإدارة النظر في وضعنا وأخذه بعين الاعتبار وخاصة فيما يتعلق بالحواجز الأمنية فأولادنا يعانون كثيراً من هذا الأمر حيث القائمين على الحواجز لا يعترفون بـما نحمله من ثبوتية (شهادة تعريف) ويطلبون أوراق ثبوتية أخرى، ونريد منهم إيجاد حل بديل لشهادة التعريف أو إصدار قرار رسمي بمنحنا بطاقة أو ثبوتية تحول دون تعرضنا للمسائلة والاعتقال”.
مطالب صغيرة وآمال يحملها مكتومو القيد بين ضلوعهم التي أنهكها الإحصاء الجائر بحق ما يقارب المئة وخمسين ألف كردياً وحرمانهم من أبسط حقوقهم، بحسب المواثيق والمعاهدات الدولية، يتوجهون بها إلى الإدارة الذاتية للنظر في وضعهم بإصدار تعميم أو قرار بخصوصهم إلى جميع مؤسساتهم ودوائرهم بقبول طلبات التوظيف ومنح تسهيلات لهؤلاء على الحواجز الأمنية، وتخصيص المعونة الشهرية للمحتاجين منهم.
نشر هذا التحقيق في العدد /86/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 15/12/2018
التعليقات مغلقة.