2019 .. العام الحاسم لروجآفا وشمال سوريا

96

دلشاد مراد

 

“خلال العام الجديد -2019- سيترسخ النظام الفيدرالي الديمقراطي في روجآفا وشمال سوريا، وستكون عفرين المحتلة من قبل تركيا وجهةً لمقاتلي الحرية في روجآفا، في حال مواجهة متطلبات المرحلة المقبلة، وردّ التهديدات التركية على شرقي الفرات

 

عندما نستذكر الأحداث التي مرت على سوريا خلال العام 2018م، نلحظ بكل يسر إن المشهد السوري قد ازداد تعقيداً، فأضحى الشمال السوري أرضاً مباحاً من الجانب التركي وبمباركة أطراف دولية وإقليمية على حدٍّ سواء، هذا التدخل التركي الذي هو بالأساس احتلال وعدوان سافر للأراضي السورية وجزء منها أراضٍ ذو أغلبية كردية كما في منطقة عفرين التي تعد جزءاً لا يتجزأ من جغرافية روجآفاي كردستان وسوريا على حدٍّ سواء.

جرى الاحتلال التركي لعفرين في ظل عدم التكافؤ أو التوازن العسكري بين  وحدات حماية الشعب التي كانت عملياً محاصراً من كافة الاتجاهات قبل سنواتٍ عدة من الغزو التركي للمنطقة، كما كانت عفرين ضحيةً لقواعد توزيع النفوذ وعدم الاشتباك بين القوتين العظميين روسيا وأمريكا، هذا ما كان ظاهراً أمام الرأي العام، لكن هل يمكن اعتبار ذلك حقيقة أم أن المطابخ السريّة للقوى العظمى كانت لها يدٌّ في الموضوع؟

وبغض النظر عن هذا الأمر، بدت عفرين وقبلها كركوك نماذج حية في نظر الشعب الكردي على أن نتائج الرهان على الخارج في الأمور المصيرية تكون وبالاً عليه.

الغريب في كل هذا؛ التوسُّع والاحتلال التركي للأراضي السورية يتم بموجب اتفاقيات دوليّة وبغطاء التسوية العسكرية والسلمية المُتمثِّل بمسار آستانة وسوتشي الذي رعته الدول الضامنة (روسيا، تركيا وإيران)؛ يناقش ويحدد مصير مناطق غرب الفرات، أما مسار جنيف الذي  تقوده أمريكا وأوروبا إلى جانب دول الخليج وتركيا فهو للتسوية ومتخصص _على ما يبدو_ لمناقشة وتحديد الشكل الإداري المدني لسوريا المستقبل.

تركيا الأردوغانية قررت منذ بداية انفجار الوضع السوري التدخُّل بكافة أشكالها سواءً عن طريق أذرعها المتمثلة بالمنظمات المتطرفة “الإخوان المسلمون، جبهة النصرة، تنظيم “داعش”، الحزب التركستاني…الخ”، أو بالتدخل المباشر عبر زجّ قواتها عبر الحدود وغزو مناطق في الشمال السوري. وكل ذلك بهدف إجهاض الثورة السورية والحؤول دون حصول الكرد وشعوب شمال سوريا عموماً على أي مكسب ــ ولو بسيط جداًــ في سوريا المستقبل.

ولم يخلُ يوم في العام 2018 إلا وكان أحد أركان الدولة التركية يهدد بغزو روجآفا وشمال سوريا؛ لإجهاض تجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية والفيدرالية الديمقراطية الناشئة في المنطقة، ويكرر عبارة “إعادة الأرض إلى أصحابها” التي هي بمفهومه الشوفيني والعنصري طرد الكرد والشعوب الأخرى من مناطق الشمال السوري وإسكان الترك “القادمين من تركستان”، إلى جانب اتباع سياسة فرِّقْ تَسُدْ واستخدام المكون العربي المتمثل بلاجئي مناطق الغوطة وحمص وإسكانهم في المناطق ذات الأغلبية الكردية، كما يحصل في منطقة عفرين.

هذا المخطط خطير للغاية، والنوايا التركية تتجه لتطبيق النموذج العفريني في شرق الفرات، وقد أعلنت بالفعل عن استعدادها لشنّ هجومٍ عسكري على شرقي الفرات، وذلك بتحريض روسي واضح والتي أصبحت تصريحاتها في الفترة الأخيرة موجَّهة نحو اتهام أمريكا بدعم إقامة كيان كردي مستقل في شرق الفرات.

لكن لماذا كل هذا التغاضي الدولي عن التوسُّع التركي في سوريا؟

يمكن أنّ الأوراق القويّة التي تمتلكها تركيا وبسببها لا ترغب أوروبا وأمريكا التخلي عن تركيا، لذا هم يتغاضون عن أفعالها الإجرامية في سوريا، أيضا موقعها الجيوستراتيجي في المنطقة وتأثيرها في الإسلام السُّنّي، إضافة إلى موضوع اللاجئين.

أيضاً الخدمات التي يقدمها النظام التركي لصالح الغرب الذي بدوره يكافئ تركيا على تلك الخدمات من خلال التغاضي عن مخططاتها التوسُّعية في المنطقة. ومن تلك الخدمات السيطرة على الإسلام السّني ومنظماته المتطرفة وتوجيهها لغايات تدمير المنطقة والدور التركي في إدامة الصراع السنيّ – الشيعيّ في المنطقة، وكذلك في محاربة التطلعات الحرة لشعوب المنطقة، بما بمعناه إجهاض أي نهضة جديّة في الشرق الأوسط، وهذا بالضبط ما يهدف إليه الغرب الذي يرغب باستمرار إبقاء منطقتنا في صراع هامشي أبدي، وبالتالي إدامة سيطرتها على المنطقة والعالم.

 كما أن النظام التركي لايرغب بأيّة نهضة للشعوب الكردية والعربية والسريانية، لأنها تقف عائقاً أمام مشروعه التوسعي المتمثل بـ “الإمبراطورية الطّورانية التركية النقيّة” التي تمتد حسب أدبيات الشوفينيين الترك من الأناضول مروراً بميزوبوتاميا “كردستان” وشمال سوريا وأرمينيا وإيران حتى حدود الصين”. لذلك عمل طوال القرن العشرين على إبادة العنصر الأرمني والسرياني والكلداني والآشوري، ويحاول باستمرار تصفية القضية الكردية وتذويب وتشتيت العنصر الكردي.

بهذا يمكن فهم بعض الحقائق عن التغاضي الدولي وإطلاق يد تركيا في البلاد الكردية والعربية. وهذا الأمر يتعدى إلى التسوية السورية عموماً، بل إن الاجتماعات الثلاثية والرباعية تتواصل بين تركيا وروسيا ودول أوروبية ومن ورائهم أمريكا وإيران والنظام السوري، وبعد الانتهاء من ملف إدلب الذي حُسم لصالح تركيا لحصولها على شرعية دولية للبقاء في إدلب، بات ملف شرقي الفرات يُناقش على مصيره بين تلك الأطراف، بالتزامن مع استعدادات عسكريّة تركيّة، وذلك في الوقت الذي لاتزال وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية منشغلة بمحاربة داعش الإرهابية بالنيابة عن العالم في آخر جيوبه في منطقة ديرالزور. فيما النظام منشغل  بترتيب أموره الداخلية وهو لايستطيع أن يخطو خطوة واحدة دون إذن من روسيا التي تضع تركيا في واجهة الصراع بالشمال السوري.

أما أمريكا فلم ترفع من سقف معارضتها لأي عدوانٍ تركي على شرقي الفرات، وتكتفي بمسك العصا من الوسط بين تركيا وروجآفا، وربُّما تأتي إقامة نقاط مراقبة في عدد من المدن الحدودية ضمن هذا السياق.

روجآفا وشرقي الفرات ستشهد خلال العام الجديد -2019م- أياماً عصيبة، التهديدات التركية ستستمر وقد يتعدى ذلك إلى العدوان المباشر، ما يهم هو وحدة الصف الكردي أولاً، ووحدة الشعوب “الكردية والعربية والسريانية….الخ” ثانياً، والتمسُّك والتشبُّث بالأرض ثالثاً، والالتزام بتوجيهات القيادة السياسية والعسكرية لروجآفا رابعاً، والضغط على المجتمع الدولي والتحالف الدولي خامساً، لمواجهة متطلبات المرحلة المقبلة، وفي حال نجاح ردّ التهديدات التركية على شرقي الفرات، عندئذ سيترسخ النظام الفيدرالي الديمقراطي في روجآفا وشمال سوريا، وستكون عفرين والمناطق الأخرى في الشهباء المحتلة من قبل تركيا وجهةً لمقاتلي الحرية في روجآفا.

نشر هذا المقال في العدد /86/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 15/12/2018

 

 

 

 

التعليقات مغلقة.