سوريا، البلد الذي لن يكون فيه أحد لا منتصراً ولا مهزوماً

32

كرم يوسف

كل الحروب التي اندلعت كانت لها بداية وفي مقابل ذلك كانت لها نهاية، هذه إحدى المُسَلّمَات التي يجب أن نؤمن بها ونحن نتحدث عن الحرب في سوريا، والتي انطلقت شرارتها كنتيجة طبيعية لظلم وقمع ودكتاتورية استمرت لأكثر من أربعين سنة، ورّبما ساهمت ثورات الربيع العربي السابقة لها في إعطاء المعارضين لحكم نظام الأسد القوة في النزول إلى الشارع وقول كلمتهم.

من الصعب لمن يعاني آلام وجراحات هذه الحرب بعد السنوات التسع التي مرت عليها أن يصدّق أنّه سيأتي يوم وستهدأ هذه الحرب، لكن هذا ماسيحدث.

 ليس من الضروري أن تنتهي هذه الحرب مع بداية العام الجديد، حيث يتمنى كل شخص في هكذا أيام بداياتٍ جديدة، لكن بلاشك سيكون هناك تقدم في الملف السوري، وفي حال لم يكن هذا التقدم موصلاً إلى النهايات المرجوة لكن على الأقل ما يجري على الأرض يوحي بأن 2019 سيكون عاماً تصاعدياً في الاتجاه إلى التسوية الأخيرة في سورية.

سيطرة نظام الأسد وجيشه على أغلب المناطق في سوريا واستعادتها من المعارضة والفصائل الإسلامية لا يعني بأيّ شكل بأنّ الشكل المقبل لهذا البلد سيكون كما يريدون؛ سوريا بعد الحرب لن تكون لا كما يريد الأسد أو المعارضة أو أي أحد في سوريا، ستكون بلداً التسوية فيه مرهونة بتوافقات دوليّة.

شكل سوريا الجديد كبلد كما لم يكن مكتملاً منذ التدخل الإقليمي والدولي فيه، لم يكتمل حتى الآن. ربُّما يمكن القول:” إن قسماً كبيراً من ملامح سوريا أصبح مُنجَزاً  لكن التفاصيل الأخيرة لشكل الحكم فيها من الصعب التنبؤ بها فهي لاتزال في انتظار التوافقات الدولية، بالأخص بين أمريكا وروسيا كلاعبين رئيسين في هذا الملف، حيث كان ولايزال العالم ينتظر من لقاء قادة هذين البلدين شكل التسوية الأخيرة كما لو أن الحرب لم تعد بين السوريين”.

ثمّة أطراف إقليميّة ودولية  كثيرة كانت يوماً ما ذات دور كبير في هذه الحرب، لكنّها اليوم كلها منشغلة بالتحديات التي تواجهها، كقطر و السعودية التي انسحبت بشكل شبه نهائيّ من الملف السوري بينما هناك أطراف أخرى كإيران التي لاتزال رغم محاولات إبعادها عن سورية باقيةً فيها.

تركيا التي تمثل اليوم تحدياً كبيراً في الملف السوري هي ليست نفسها تركيا التي كان يقول رئيسها رجب طيب أردوغان بأنه لن يسمح بتكرار مجزرة حماة أخرى في سوريا، وكل الخطوط الحمر التي كان يتحدث عنها صارت مجرد خطابات من الماضي، هو اليوم أيضاً لا يريد من سوريا شيئاً سوى إبعاد الكرد من المعادلة السياسيّة.

 رغم ذلك فإن تركيا التي وصلت إلى حد تغيير بوصلتها في كل الاتجاهات والتوجُّه صوب روسيا من أجل وأد التطلعات الكردية في سوريا، لاتزال تشكل خطراً أمام هذه التطلعات، ومن المبكر القول إلى أين سينتهي المطاف في التهديدات التي يطلقها مسؤولوها الذين  يدركون تماماً أن مجرد وجود السلاح بيد الكرد يعني بشكل ما أنه من الممكن أن يعودوا لعفرين أو في أقل تقدير تأسيس كيان سيصير واقعاً، لكن معركة تركيا لم تعد بعد 2015 مع الكرد حيث صارت ضد الكرد وأمريكا، وهذا ما يعطي الأمل في ألا يرجع الكرد في سوريا إلى ما قبل 2011.

رغم ما يقال عن ترك أمريكا لزمام الأمور في سوريا  لروسيا، لكن الوقائع تشير إلى أن هناك سياسات أمريكية تجاه سوريا، حيث أكد أكثر من مسؤول أمريكي وعلى رأسهم الرئيس دونالد ترامب، وبالذات بعد تهديد النظام السوري باجتياح إدلب، بأنهم منعوا نظام الأسد من القيام بهذه العملية وأن على الأسد أن يدرك أنه لا يمكنه البقاء أكثر من المرحلة الانتقالية ولغاية إعداد دستور جديد لسوريا.

ربما العائقان اللذين لايزالان يمنعان أمريكا وروسيا من التوصُّل إلى الصيغة النهائية بخصوص سوريا هما أن إيران رغم العقوبات الأمريكية لم تغادر سوريا بعد وكذلك حزب الله وكافة الميلشيات الشيعيّة التي صار خروجها مطلباً أمريكياً من الصعب التنازل عنه، والنقطة الثانية تكمن في أن تركيا لاتزال من جهتها تشكل تهديداً آخر لأي تسوية ممكنة، وهي لا تهدأ أو تكف عن إطلاق تهديداتها بخصوص اجتياح المناطق الكردية رغم الرسائل الأمريكية المتكررة بزيادة عدد القواعد العسكرية ونشر جنود على طول الحدود.

مع خروج إيران والميلشيات الشيعية من سوريا  لن يكون بمقدور الأسد الغارق في استخدام الكيماوي ضد المدنيين والمُتهَم باغتيال رفيق الحريري الصمود في وجه أيّة تسوية أمريكية روسية؛ فروسيا التي وافقت على المصالحة مع تركيا عقب التداعيات التي حصلت بعد إسقاط طائرة لها من قبل الدفاعات التركية ما كان لها أن تقبل بإعادة تطبيع العلاقات لولا جملة أمور من بينها هو إيجاد توازن في سوريا ضد التمدد الإيراني  من خلال تركيا.

الأزمة السورية خرجت اليوم عن تصدُّرها لقضيةٍ بارزة على الساحة الدولية ويتوجب حلّها بسرعة، فهناك ملفات عالمية شائكة كثيرة أصبحت أكثر اهتماماً، لكن هذا لا يعني أن هذا الملف سيُترك على ما هو عليه. الفترة المقبلة ستشهد _بلا شك_ تقدماً في اتجاه التسوية النهائية؛ تسوية لن يكون فيها أحدٌ لا منتصراً ولا مهزوماً إلا المصالح الدولية لحدٍّ كبير.

نشر هذا المقال في العدد /86/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 15/12/2018

 

 

 

 

 

التعليقات مغلقة.