التحالف الوطني الكردي بلا لون.. بلا طعم.. بلا رئيس
عماد مجول
منذ بداية الحراك الشعبي في سوريا تشكلت تحالفات سياسية عدة كضرورة مرحلية بحسب الظروف والمصالح الإقليمية وكان الكرد أكثر جاهزية باعتبارهم منظمون ضمن أحزاب سياسية حيث بادر الكرد إلى تشكيل المجلس الوطني الكردي في سوريا كإطار سياسي جامع للحركة الكردية السورية تضم أغلبية الأحزاب السياسية و الفعاليات المجتمعية, والتنظيمات الشبابية إلا أنه بسبب الاختلاف مع حركة المجتمع الديمقراطي حول نسبة المقاعد حيث بادر الأخير إلى تشكيل مجلس جديد باسم مجلس غرب كردستان و الذي سرعان ما أخذ عدة أشكال و أسماء وهو اليوم يحكم شمال الشرق السوري من خلال مؤسسات عسكرية و خدمية و إدارية تحت مسمى الإدارة الذاتية إلا أنه (كما ظهر لاحقا) لم تكن الأحزاب الكردية مستعدة لقيادة الحراك الشعبي فقد تنطعت بعض الأحزاب (الشعاراتية) بداية الحراك لقيادة الجماهير “المتمثلة بالمجلس الوطني الكردي” والتي كانت تمثل الأغلبية الساحقة كما أسلفنا سابقا لتحقيق مكتسبات على أرض الواقع, ولكن سرعان ما تركت الساحة بسبب عدم قدرتها على تحمّل أعباء مسؤولية المرحلة و الارتقاء بالمجلس إلى كيان كردي جامع ينظم الشعب من خلال مؤسسات سياسية , خدمية, أو حتى عسكرية لمواجهة التحديات التي تواجه المنطقة وعلى رأسها الإرهاب الداعشي حيث التهت أحزاب المجلس بخلافات بينية دونكيشوتية تاركة خلف ظهرها مسؤولياتها أمام شعبها ومتناسية الضرورة التي وجدت من أجلها لتبدأ مرحلة الانتقامات الشخصية والولاءات وكبح جماح الحركات الشبابية والتي كانت محرك الحراك الشعبي في المناطق الكردية وتشتيتهم وذلك من خلال شق صف الأحزاب وشراء البعض من ضعاف النفوس وتقديم الإغراءات لهم حيث وقعت أغلبية الأحزاب في شبكة مهندسي الانشقاقات في الحركة الكردية حتى بات المجلس الوطني الكردي كمؤسسة لتفريخ حزُيْـبات صغيرة عائلية تحفظ مصالح بعض الأشخاص ليبدأ المجلس بمرحلة الانصهار رويداً رويداً، فأحزابٌ تُنسحب وأخرى تُستَبعد حتى بات المجلس هيكلاً عظمياً مجردا من جماهيره ومؤسسيه ومؤيديه وأصبح في حالة لا تُحمد عقباها كالطائر الذي نتف أجزاء من ريشه وبات شغله الشاغل هو السؤال كيف سأطير؟
وليجد ذاته مختاراً كان أم مكرهاً في ملعب السياسية خارج أسوار الوطن بعيدا عن واقع جماهيره, ولكن لن يتوقف المشهد السياسي الكردي في روجآفا عند الإطارين السياسيين(ENKS)و (Tev- Dem)
فالأحزاب والشخصيات المستقلة والتي كانت مؤسسة للمجلس الوطني الكردي والتي وجدت نفسها خارج الإطارين السياسيين سعت إلى تشكيل إطار سياسي كردي وخاصة بعد تداعيات فشل المرجعية الكردية حيث أعلن في أواسط شباط 2016 ومن خلال مؤتمر حضره مندوبين من خمسة أحزاب كردية ونخب سياسية مستقلة وممثلين عن منظمات نسائية وشبابية عن ولادة إطار جديد سمي بالتحالف الوطني الكردي في سوريا(Hevbendî)، واضعة نصب عينها رسم الاستراتيجيات السياسية العامة للكرد في سوريا وبلورة وتجسيد الموقف الموحد حيال كافة القضايا المتعلقة بالشعب الكردي في سوريا إضافة إلى المسائل والقضايا الوطنية عموما على قاعدة تغليب المصالح العامة على المصالح الخاصة وتفعيل العمل السياسي الكردي ليساهم في حل القضية الكردية ومعالجة الأزمة السورية ..
حيث استطاع التحالف وفي فترة وجيزة إثبات ذاته كإطار ثالث في الخارطة السياسية الكردية في سوريا حيث قامت بعدة فعاليات مبادرات, سياسية على الصعيدين الداخلي والخارجي وشكلت مجالس مركزية في كل من كوباني وعفرين حيث تفاءلت النخب السياسية والثقافية والجماهير الشعبية خيراً بهذا التشكيل السياسي الجديد وتجلى ذلك واضحا من خلال مشاركة التحالف في انتخابات المجالس التي نظمتها الإدارة الذاتية وخوضها تلك الانتخابات بقائمة مستقلة منافسة لقائمة الأمة الديمقراطية هذه الانتخابات التي أخذت شرعيتها من خلال المشاركة الواسعة للجماهير وبمباركة من القوى والأحزاب الكردستانية من خلال بحضور ومراقبة من وفود برلمانية من كردستان العراق وبرلمانين كرد من تركيا ومنظمات المجتمع المدني المحلية .. ولكن سرعان ما توقفت عجلة التحالف عن المسير لا ندري أصابتها العدوى أم أنهم وضعوا العصي بين عجلاته؟
يبدو أن النجاحات التي حققها التحالف لم يرق للبعض لتبدأ مرحلة التدخلات من قبل أطراف من خارج التحالف، فالمجلس الوطني الكردي يعتبرون أحزاب التحالف من رحم المجلس وأي نجاح لهذا التحالف سيكون على حسابهم مستقبلاً لذلك لا يراد لهذا الإطار النجاح, أما حركة المجتمع الديمقراطي التي لم تنجح في ترضيخ التحالف بالدرجة المطلوبة لا يناسبه ظهور ندّ سياسي ينافسه غداً على الساحة السياسية الشعبية، أما حزب التقدمي الذي كان في حوار مع التحالف لينال عضويته حيث لم يُكتب له النجاح لأنه كان صاحب مشروع ويحاول الاستفراد بأحد أحزاب التحالف ليغردا معاً خارج سرب التحالف عسى أن يجدوا لهم موطئ قدم في التوازنات المستقبلية وخاصة بعد استعادة النظام لأكثرية المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة المسلحة.. كل هذه المعطيات أفقدت التحالف رونقها وشلت حركتها إلى أن أصبحت يوما بعد يوم بلا لون وبلا طعم وحتى اليوم أصبح بلا رئيس، عُطّلت كافة مكاتبه, فتوقفت كافة اللجان في المناطق عن العمل وأُعفيت الهيئة التنفيذية عن مهامها .. التحالف الذي كان المأمول عليه والذي تبنى مصلحة واستقلالية القرار الكردي السوري أصبح اليوم قاب قوسين أو أدنى من خانة الاضمحلال فهو مسلوب القرار والإرادة في ظل مرحلة تقتضي شحذ كل الطاقات لإثبات الوجود وتحقيق ما تصبو إليه.
نشر هذا المقال في العدد /82/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 1/8/2018
التعليقات مغلقة.