في ترتيب البيت الكردي ومفاتيح الحل

40

 

 إدريس خلو 

…. “فها أنا أتكلم وأنت لا ترد، وأصيح، فتشيح بوجهك عني لكنني سأظل أصرخ حتى تسمعني، فمن أجل هذا وهبتني فماً، ليس للأكل ولا للكلام ولا للتقبيل ولكن للصراخ… فعلى عاتقي تقع مصير قريتي. أنا الذي سأقرر ضياعها أو خلاصها”.

 هكذا يستنطق الفيلسوف والروائي اليوناني نيكوس كازانتزاكي أحد شخوص عمله الروائي ( الأخوة الأعداء ) رافضاً تلك الحرب الأهلية التي عصفت ببقعة جغرافية من أرض اليونان، وبما أن تجارب الشعوب تتشابه  في خطوطها العامة وتختلف في الجزئيات فأن تناول تلك التجارب واستخلاص العبر من نتائجها تضيف كمّاً معرفياً لدى الباحثين عن أفضل الحلول الممكنة لخلاص شعوبها من الأزمات العابرة أو المستفحلة في بنيتها المجتمعية وكون السياسة هي الأداة للوصول إلى تلك الأهداف فأن من علامات الوعي السياسي المعاصر معرفة الممكن و اللاممكن كخاصية تتميز به المجتمعات ومدى قبوله وعدم قبوله بما هو مطروح من مشاريع سياسية تخدم حالته الراهنة, لأن الرغبة في إنجاز أي مشروع سياسي لا يعدّ كافياً إذ لم يرافقه الوعي بضرورات المرحلة والعمل من أجل خلق حالة تتوافق مع المستجدات السياسية الراهنة ليلبي نداء الفرد والجماعة وطموحاته المشروعة بالنهوض من حالة ركوده السياسي, وإذا حاولنا تفكيك الحالة الكردية في (روجآفا كردستان) بمعزل عن وعيه الشقيّ والمتخلف, فأننا سنصاب بالإحباط الذي يرافق العقل السياسي الكردي الحزبوي في (روجآفا) واحتكاره البائس لمغانمه الحزبية على حساب القضايا المصيرية حتى بات الشارع الكردي لا يرى أية حلول ممكنة في الأفق تنقذه من حالته التشاؤمية وبالعودة إلى الممكن واللاممكن في حالتنا الكردية السورية وعلى ضوء اللقاء الذي تداولته وسائل الأعلام والشارع الكردي والذي جمع مسؤول ملف غربي كردستان  الدكتور حميد دربندي مع الرئيس المشترك للهيئة التنفيذية في حركة المجتمع الديمقراطي آلدار خليل، عاد السجال ثانية إلى الأوساط السياسية والثقافية والشعبية عن سبل الحل الممكن لترتيب البيت الكردي عشية الاستحقاقات المقبلة ومواجهة التهديدات المحتملة لمنطقتنا، فأعتقد أننا هنا لسنا بحاجة إلى تشخيص الحالة المعاشة في بيتنا الكردي بقدر ما نحن بحاجة إلى إيجاد الحلول لمعضلتنا وأن البحث عن أي حلول بمعزل عن تناول العوامل الاساسية للأزمة سيفقدنا مفاتيح حل الأزمة وتتلخص  هذه العوامل بما يلي:

– العامل الذاتي: كان للعامل الذاتي الكردي في روجآفا كرستان والمتمثل بشقّه العسكري وجهوزيته وقتاله الباسل في وجه المجاميع الارهابية المتمركزة في الشمال السوري قد شكلت خطراً على المنطقة ودول العالم وهنا تقاطعت مصالح تلك الدول مع قوات الحماية الشعبية الكردية للقضاء على هذا الخطر ألا أن وجود قوة عسكرية دون مظلة سياسية تعتبر تلك القوات ميلشيات حسب العرف الدولي كما وأن الوجود السياسي دون وجود قوة عسكرية تقلل من فرص النجاح في الاستحقاقات المقبلة, وهنا تكمن أهمية العامل الذاتي وضرورة تداركه قبل فوات الأوان وفق خطاب ورؤية سياسية كردية موحدة.

– العامل الكردستاني: إن فصل العامل الكردستاني عن الحالة الكردية السورية هو محاولة تبريرية بائسة من قبل البعض فما يجري من حالة التشتت والانقسام هو بشكل أو بآخر  ارتداد لخلافات تلك المحاور على روجآفا كردستان وهنا يتوجب على تلك المحاور خفض التصعيد البيني أولاً والضغط على القوى السياسية الكردية السورية لرأب الصدع وفق منطق تغليب المصلحة القومية على المصلحة الحزبية.

– العامل الإقليمي: ربما هذا العامل هو الأكثر حساسية والأكثر خطورةً إن لم يتم التعامل معه وفق منطق عقلاني وبراغماتي, فنحن نعلم أن الدول الإقليمية أو الغاصبة لكردستان لا ترغب في أن يحصل الكرد على حقوقهم في قرية كردية فما بالكم إذا كان الأمر يتعلق بجزء كردستاني, ولكن هنا لا بد من الاستفادة من التناقضات بين تلك الدول فكلنا يتذكر وجود مسعود البرزاني وجلال الطالباني في إيران مرة وفي دمشق مرة أخرى أبان مرحلة النضال ومواجهة نظام صدام حسين  وكان  عبد الرحمن قاسملو في بغداد وعبد الله أوجلان في دمشق, وهذه الدول الغاصبة لكردستان لا تريد خيراً أو قيامة للكرد كشعب وهنا أن لابد الاستفادة من هذه النقطة وعدم تناولها من أي فصيل في أي جزء كردستاني بحساسيات حزبوية أو جهوية.

– العامل الدولي: العامل الدولي هو الأهم والأساس في حل الأزمة السورية ومن ضمنها حقوق الشعب الكردي ولكن المراهنة على أمريكا والغرب عامة في إيجاد حلول لترتيب البيت الكردي مجازفة ومقامرة قد لا تأتي فحالة الانتظار والترقب لضغط أمريكي في هذا المنحى وتكرار تجربة اتفاقية واشنطن بين الحزبيين الكرديين في العراق قد تطول أو لا تأتي بالمطلق لأن الخلاف الكردي في البيت السوري لم يصل إلى المستويات والتصدعات في كردستان العراق إلا أن ما يجب الإشارة إليه هو وجود مشروعين كرديين مختلفين بإمكان الدبلوماسية الكردية التواصل مع الجهات الدولية النافذة لإيجاد مخرج لهذه المعضلة والعمل على القواسم المشتركة.

ومن هنا يتوجب على الجميع تحمل مسؤولياته والعمل على ترتيب البيت الكردي لأن التاريخ لن يرحم كائناً من كان ولن تتكرر فرصة تاريخية أخرى للكرد إلا بعد مائة عام أخرى.

نشر هذا المقال في العدد /79/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 1/6/2018

التعليقات مغلقة.