أهمية ترتيب البيت الكردي
جاويدان حسن
بعد ظهور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في كل من سوريا والعراق واقتراب زواله في ظل اعتماد قوات التحالف الدولي على القوات الكردية سواء في إقليم كردستان العراق وفي روجآفاى كردستان، ومع تحرير الكثير من المناطق الكردستانية المُحتَلّة بدا واضحا للعيان أن الكرد سيصبحون قوة لا يستهان بها، وأنهم سيقودون ثورة التغيير نحو الديمقراطية في المنطقة، الأمر الذي لم يرق كثيرا للدول المستعمرة لكردستان ولاسيما تركيا التي سخرت كل طاقاتها لإجهاض الحلم الكردي المتنامي باضطراد لتعمد إلى اجتياح مقاطعة عفرين الآمنة ناهيك عن قيامها بحملة اعتقالات واسعة في باكورى كردستان طالت الكثير من المعارضين والسياسيين الكرد. وفي إقليم كردستان العراق استمرت في توسيع قواعدها العسكرية وكذلك قامت القوات العراقية هناك وبمساندة قوات الحشد الشعبي بالهجوم على المناطق الكردستانية المحررة ومن بينها كركوك والاستيلاء عليها.
لذا فإن التضحيات التي قدمها الكرد في الحرب ضد داعش لم تكن كافية كي تشفع لهم لحماية مكتسباتهم التي حققوها على الأرض في ظل المعادلة الإقليمية المعقدة، والحرب الباردة بين أمريكا وروسيا وفي ظل الانقسام والتنافر بين الأطراف الكردية في الأجزاء الأربعة بدا الموقف الكردي أكثر هشاشة وأكثر عرضة للزوال، وإذا كانت العوامل المذكورة عوامل خارج إرادتنا فإن الانقسام الكردي هو شأن داخلي من المفترض أن يكون بالإمكان حلّه.
شرع المؤتمر القومي الكردستاني(KNK) في العمل من أجل توحيد الصف الكردي ورغم عقده للكثير من الاجتماعات على مستوى الأجزاء الأربعة إلا أن مشروعه لم يكتمل حتى اللحظة بسبب التباين الكبير في وجهات النظر الكردية.
كان من المفترض أن تكون الأضرار التي لحقت بالقضية الكردية من بعد أحداث كركوك وعفرين كفيلة لكي تكون نقطة انطلاق جديدة تتخذها جميع الأطراف الكردستانية لمراجعة سياساتها وتحالفاتها، وبدء العمل على تعزيز الجبهة الكردية الداخلية وترتيب البيت الكردي أولا مدركة بذلك أن المُستهدَف في كل الأحوال هي القضية الكردية والمجتمع الكردي وليس فصيل أو حزب كردي معين، وإنّ دعم الدول الإقليمية لطرف سياسي على حساب غيره لا يأتي من باب نجاعته السياسية وإنما تتخذه الدول المستعمرة لكردستان وسيلة لإضعاف الحركات الكردية الأخرى، لذا فإنه بات من الضرورة بمكان الإسراع في عقد مؤتمر قومي كردستاني تنبثق عنه مرجعية سياسية دبلوماسية وهيئات عسكرية واقتصادية وأمنية تتخذ المصالح القومية في الأجزاء الأربعة من كردستان خطوطا حمراء لا يجوز لأي طرف كردي تجاوزها تحت أية ذريعة كانت، وتقوم كذلك بوضع استراتيجية محددة للحفاظ على مكتسبات الشعب الكردي وتطويرها، على أن تعقد مؤتمرات مشابهة في كل جزء من كردستان ينبثق عنها لجان سياسية من مختلف الأحزاب توحد خطابها ومطالبها أمام الرأي العام العالمي، وتحدد أولوياتها واستراتيجياتها في طريقة التعامل مع المتغيرات الدولية، ويبدو أن الواقع في روجآفاي كردستان أقرب الآن من الأجزاء الأخرى لخطو مثل هذه الخطوة وبالتالي سحب البساط من تحت أقدام الحكومة التركية التي لطالما تحجّجت بأن الإدارة الذاتية في روجآفا لا تمثل المطالب الكردية وهي وليدة استخدام القوة من قبل طرف كردي معين.
في الحقيقة لم تكن الحركة السياسية في روجآفاى كردستان مهيأة لمجاراة التطورات الكبيرة التي اجتاحت منطقة الشرق الأوسط تحت مسمى ربيع الشعوب، لذا بدا التناقض وعدم الانسجام واضحا في رؤاها التي طرحتها بخصوص حل القضية الكردية في سوريا، والاستراتيجيات الواجب اتباعها فيما يخص تعاملها مع مختلف فصائل المعارضة السورية والنظام السوري لتصبح بالتالي لقمة سائغة في الكثير من الأحيان للدول المستعمرة لكردستان.
أسست حركة المجتمع الديمقراطي والأحزاب القريبة منها الإدارة الذاتية الديمقراطية وشرعت بتنظيم المجتمع وتشكيل وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية، كما وطرحت مفهوم الفدرالية الديمقراطية متبعة في كل ذلك سياسة الخط الثالث ومبدأ الأمة الديمقراطية من جهة، فيما اختار المجلس الوطني الكردي المعارضة السورية المدعومة من تركيا مطالبا بالفدرالية لروجآفا دون أن ينال قبولا واعترافا من الائتلاف الوطني لقوى الثورة السورية على هذا البند بالتحديد في اتفاقيته مع المجلس من جهة أخرى، ليصل التنافر بين الطرفين إلى ذروته خلال الاجتياح التركي لعفرين.
كانت الانتخابات الأخيرة التي جرت في روجآفا لانتخاب المجالس المحلية للنواحي والمدن والكانتونات فرصة مناسبة ليعود المجلس الوطني من خلالها إلى المشهد السياسي في روجآفا ولكن رفضه للإدارة الذاتية حال دون اعترافه بشرعية هذه الانتخابات مفضلا مقاطعتها على خوض غمارها بدل الإصرار على المشاركة والمطالبة بإجراء انتخابات نزيهة تحظى بمراقبة كردستانية ودولية ليكتمل المشهد السياسي في روجآفا ويقود من يختاره الشعب هذه المرحلة.
إذا كانت الإدارة الذاتية تسعى جاهدة لضم كافة مكونات روجآفا إلى التجربة الوليدة بهدف إنجاحها فلابد لها أن تكون قادرة على ضم المجلس الوطني الكردي أيضا في حال كان هذا الأخير جادا ومستعدا للعمل مع هذه الإدارة والذي طالب في اتفاقية هولير بإجراء تغييرات على العقد الاجتماعي كشرط أساسي للانضمام لمؤسسات الإدارة التي ابدت استعدادها لتلبية هذه المطالب، دون أن تتقدم عملية انضمامه إليها قيد أنملة، ليبقى المواطن في روجآفا يتساءل عن الأسباب التي حالت دون تنفيذ الاتفاقية.
إن مطلب توحيد الصف الكردي مطلب عام والعمل على تحقيقه فرض عين على كل كردي ومثقف وكل منظمة وحزب كردي في الأجزاء الأربعة من كردستان، أما في روجآفا فإن الجزء الأكبر من هذه المهمة يقع على عاتق الإدارة الذاتية الديمقراطية كونها تمثل الجهة النافذة في روجآفا، وهي التي حملت راية التغيير وسعت لبناء مجتمع حر يفسح الطريق أمام الجميع لنيل حقوقهم والقيام بواجباتهم دون تمييز بين عرق أو دين و حزب أو طائفة، على أن تقوم الفعاليات الثقافية بدورها أيضا في الاستمرار بالضغط على الإدارة والمجلس بهدف حل الخلافات العالقة فيما بينها وتطوير تجربة روجآفا نحو الأفضل وحث المجلس أيضا على تحمل واجباته القومية والوطنية في هذه المرحلة الحساسة والتقرب من الإدارة بشكل أكثر جدية حتى يتحقق حلم الحرية الذي ضحى من أجله خيرة أبناء روجآفا أرواحهم الطاهرة لضمان مستقبل أفضل لجميع أبناء المنطقة.
نشر هذا المقال في العدد /79/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 1/6/2018
التعليقات مغلقة.