خفايا الحرب على عفرين ..

34

 أكثر من أسبوعٍ يمضي ولا تزال تركيا مصّرة على تدخّلها في عفرين تحقيقاً لتأمين الحدود -حسب زعمها- بالرغم من أنّها وضعت جداراً أسمنتيّاً على طول الحدود مع سوريا، عدا المسافات القليلة من التي لا يتواجد فيها الكرد وحلفائهم، و يبدو أنّ الهجوم التركي يأتي في معرض الاعتراض على النّمو والتّطور الملحوظ للدور الكردي في سوريا؛ سيّما فيما يتعلق بسعيهم بالبدء من على الجغرافية التّابعة لهم بمشروع ذو تأثير بالغ، بداياته كانت مع الإعلان عن تشكيل قوة تعدادها ثلاثين ألف عسكريّاً لتأمين الحدود الشّماليّة والشّرقية والجنوبيّة.

 إنّ النقطة الأكثر استفزازيّةً لتركيا كانت هذا التوجه الذي لم يكن رأي كردي بحت، وإنّما أمريكيّ أيضاً، حيث إنّ هذه الخطوة الأمريكية – الكردية يبدو مدروسة بشكل دقيق، فالولايات المتحدة الأمريكية لا يمكن لها أن تضحي بالكرد، وتحالف قوات سوريا الديمقراطية -الذي هو مشروعٌ مدعومٌ بشكل كبير من قِبل أمريكا- في أول خطوة نحو التأسيس العملي والبدء بترجمة نوعيّة.

 العلاقات الكرديّة – الأمريكيّة على الأرض سياسيّاً لن تكون أقل من العسكري إنْ لم تكن أكبر، الكرد لا بدّ لهم وإنْ درسوا تَبِعَات إعلانهم عن الخطوة المتعلِّقة بتأمين الحدود والتي حُظيت بدعمٍ أمريكيّ وعلى وجه التحديد المخاطر المتعلّقة بتركيا واستفزازاتها للكرد على مدار سنوات ولا استبعد بأنّ الهجوم كتوقيت كان متوقعاً، لذا هناك خفايا تكمن في إنْ الولايات المتحدة -وبالرغم من صمتها إعلامياً- تضمن للكرد ولحلفائهم من المكونات الأخرى ما يخدمهم ويفيد دورهم مستقبلاً، وإلّا فإنّ الصّمت الأمريكي مقارنة مع حجم ونوعيّة العلاقات مع شمال سوريا لا يمكن أن يكون دون أمور فيها استرضاء للكرد، وقد ظهرت بعض المغازلات غير المباشرة في توقيت الحرب على عفرين منها؛ حث الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الرئيس التّركي على الحد من عملياته، وكذلك زيارة بريت ماكغورك جوزيف فوتيل لمدينة الرقة وكوباني في الفترة التي هاجمت تركيا عفرين، إضافةً إلى التصريحات التي سبقت الهجوم التركي المتعلّقة بالوجود الأمريكيّ في شمال سوريا والذي بات علناً غير محدد بتوقيت زمني قريب لكن على الأرجح إنه طويل يتجاوز عدد سنوات الحرب على داعش التي لم يتم الإعلان بعد عن انتهائها، لكن إنْ لم يتم ذلك فالتواجد سيكون متجاوزاً لعدد سنواتها، الكرد في سوريا مرتاحون ويدافعون عن عفرين ويؤكدون النصر فيها ويمارسون نشاطاتهم في الخارج، أيضاً  الحراك الدبلوماسي بلغ أوجه العلني حتى الآن بلقاء قيادات منهم وعلى رأسهم آلدار خليل منسِّق العلاقات الاستراتيجيّة مع أمريكا ومع مسؤولين فرنسيين من بينهم رئيس فرنسا السابق فرانسوا هولاند وقائمة غير معلنة عنها إلى الآن.

 تجربة كوباني التي كانت أساس التعاون الأمريكي مع وحدات حماية الشعب، والتي ساهمت في طرد داعش من معقله الرئيس وعاصمة خلافته مدينة الرقة، بالإضافة إلى مدن استراتيجية مهمة، ولا يمكن القول: إنّ كل هذا لم يكن فيها جزءاً من التخطيط أو التفكير في مستقبل عفرين آنذاك -خاصة- وهي محاصرة منذ سنوات وتمثل نقطة تحقيق الحلم الذي يبحث عن الكرد في إيصال مناطقهم مع بعضها البعض، أيضاً من المتوقع أن تكون أحد أهم شروط التعاون والتحالف، بالإضافة إلى طرد داعش وتحقيق الاستقرار هو المساعدة في تحقيق ذلك الهدف والهجوم التركي يمثل بداية لوقوع أردوغان في الفخ الأمريكي – الروسي، الذي لا يزال عاجزاً عن تحقيق أدنى الأهداف التي أعلن عنها منذ أسبوع فكل التقدم الذي يحرزه؛ هو تقدم مزيف موجود فقط على الإعلام الخاص بالدولة التركية.

 كل الدلالات والمعطيات تشير إلى أنْ التحضير الأمريكي للبقاء طويل الأمد، ولا يمكن لأمريكا التضحية بالكرد الذين لن يقبلوا بسقوط عفرين -دون شك- لذا الحرب على عفرين وإنْ استمرت فإنها لن تكون ذات تأثير سلبيّ على الكرد وربما تكون سبباً لتحقيق مزيداً من التقدمات، سيما في ظل التصريحات التي تطلقها القادة الكرد بأنّ بعد عفرين سيكون هناك تحولات نوعيّة في سوريا وستكون عفرين المَفْصل في ذلك.

التعليقات مغلقة.