حسابات الربح والخسارة في عفرين
سلام السعدي
لا تحتاج تركيا إلى نصر حاسم في عفرين وسحق المقاومة الكردية فيها حتى تحقق ما تتطلع إليه. هدف العملية الرئيسي هو زيادة الضغوط على الولايات المتحدة لتعيد حساباتها في الشمال السوري.
لم تأت العملية العسكرية التركية على مدينة عفرين السورية بشكل مفاجئ. فمنذ أكثر من عام، تواصل تركيا التهديد بالقيام بعمل عسكري “وشيك” على المدينة، ذات الغالبية الكردية، وعلى بعض مناطق الشمال السوري التي تسيطر عليها القوات الكردية. وهو ما يدفع للتساؤل عن سبب التردد والتأخر في إطلاق العملية.
من المفيد أولا استعادة الأحداث التي قادت للعملية العسكرية التركية. خلال العامين الماضيين، عمل حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي على توسيع سيطرته الميدانية في شمال سوريا وشرقها لحل معضلة تمنع إمكانية تأسيس كيان مستقل وقابل للحياة.
وتتمثل تلك المعضلة بوجود ثلاث مناطق ذات غالبية سكانية كردية، هي كوباني والقامشلي وعفرين، ولكنها عبارة عن جيوب غير مترابطة ومعزولة عن بعضها بأراضٍ تقطنها غالبية عربية وتتقاسم السيطرة عليها كلّ من المعارضة السورية وتنظيم الدولة الإسلامية.
استغلت قوات الاتحاد الديمقراطي الكردي الانخراط الأميركي والروسي في الحرب السورية قبل عامين. فعملت مع الولايات المتحدة على انتزاع أراضي تنظيم داعش في شمال وشرق البلاد، وعملت من جهة أخرى، بدعم مكثف من سلاح الجو الروسي وبتسهيل من قبل قوات النظام السوري، على انتزاع مناطق سيطرة المعارضة السورية في شمال غرب البلاد.
كان ضرب فصائل المعارضة السورية المسلحة هو الهدف الرئيسي للمشاركة الروسية المباشرة في الحرب السورية. هكذا ركزت موسكو عملياتها العسكرية ضد المعارضة بصورة عامة، والمعتدلة منها بصورة خاصة، بدلا من التركيز على تنظيم داعش. وهو ما مكن القوات الكردية من السيطرة على مناطق عربية في ريف حلب، وتحديدا على مدينتي تل رفعت ومنبح، وطـرد المعارضة السورية منها بعد تقسيم للأدوار تخلله قصف جوي روسي عنيف وهجوم للنظام السوري والميليشيات المساندة له عبر المناطق التي يسيطران عليها.
وبالتعاون مع الولايات المتحدة، تمكنت الوحدات الكردية من السيطرة على مدينة الرقة وريفها. وبذلك، كانت القوات الكردية على وشك تحقيق تواصل جغرافي بين مناطق سيطرتها التي أصبحت تمتد من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب.
ولم يمنع ذلك من التحقق بصورة كاملة سوى العملية العسكرية التركية المسماة بـ“درع الفرات” والتي بـدأت في خريف العام 2016، وسيطرت من خلالها على مناطق داعش المتبقية في شمال غرب سوريا والمحاذية لمدينة عفرين مستبقة محاولات القوات الكردية.
ومنذ ذلك الوقت، تكرّر تركيا تهديداتها بقرب عملية عسكرية ضد المناطق التي سيطرت عليها القوات الكردية وتحديدا على مدينتي منبج وتل رفعت. ولكن تركيا اختارت شن العمل العسكري على مدينة عفرين ذات الغالبية الكردية وذات الطبيعة الجبلية شديدة الصعوبة.
اعتبر البعض أن شراسة المعركة في عفرين والخوف من الخسائر الكبيرة شكلا المصدر الرئيسي للتردد التركي. ولكن الحقيقة أن هذا لا يشكل عقبة حقيقة بالنسبة لتركيا في ظل الظروف العسكرية الخاصة بالحرب السورية. إذ لا تخوض تركيا المعركة بجنودها فقط وإنما تعتمد على فصائل من المعارضة السورية وهـو ما يقلل من خسائرها المباشرة.
كما أن تفوقها على مستوى السلاح الثقيل والطيران الحربي يجعل طول أمد المعركة لصالحها وليس لصالح المدافعين عن المدينة. لم يعد سرا أن الأطراف التي تتمتع بتغطية الطيـران الحربي والقصف المكثف في الصراع السوري اتبعت تكتيك القتال البطيء والحصار والإنهاك. انتهجت ذلك القوات الكردية نفسها في حربها مع داعش، وكذلك النظام السوري في قتاله لقوات المعارضة، حيث جرى تكثيف القصف اليومي وحصار المدنية المستهدفة لشهور طويلة وتركها تذوي ببطء.
وأخيرا، لا تحتاج تركيا إلى نصر حاسم في مدينة عفرين وسحق المقاومة الكردية فيها حتى تحقق ما تتطلع إليه. قد يكون هدف العملية العسكرية الرئيسي هو زيادة الضغوط على الولايات المتحدة الأميركية لتعيد حساباتها في الشمال السوري وتأخذ مخاوف تركيا بالمزيد من الجدية.
كما يمكن أن تجبر العملية القوات الكردية على تسليم المدينة للنظام السوري، وهو ما أعلنته تلك القوات في بيان صـدر الأربعاء ويدعو “الدولة السورية” إلى تولي مسؤولية حماية المدينة. ويبدو أن تأخر العملية التركية مرتبط بعدم حصولها على موافقة روسيا وإيران والنظام السوري من قبل.
بالنسبة للنظام السوري في الوقت الحالي، لم يعد الخطر الأكبر قادما من تركيا والمعارضة السورية التي ترعاها، بل من التحالف الأميركي- الكردي الذي سيطر على مساحة أربعين بالمئة من مساحة سوريا، ويهدد التواجد العسكري الأميركي بتقييد أيدي النظام وحلفائه وبتكريس هذا الواقع.
كما تتخوف روسيا من التواجد الأميركي في شمال البلاد وإعلان واشنطن عن أن وجودها ذاك غير محدد بمدة زمنية. هكذا سمح النظام السوري وروسيا لتركيا بتوجيه ضربة عسكرية للأكراد ربما تعيدهم إلى أحضان النظام.
المصدر: العرب اللندنية
التعليقات مغلقة.