نتنياهو: استدعاء داعش.. وتمثل شارون!/ هشام منور

33

25qpt478

 

 

 

 

 

 

 

 

بلغ التخبط وفقدان الرؤية الاستراتيجية لدى الحكومة الإسرائيلية إزاء العدوان على غزة، في ظل الانقسام الداخلي، والضغط الشعبي المتصاعد، مبلغاً فقد معه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بوصلته، ففقد اتزانه السياسي ومحاكمته للأمور، وأضحى يتلطى خلف مقولات باتت ممجوجة في عالم السياسة والكبار.
الحكومة الإسرائيلية والنخب الإسرائيلية يشنان حملة دعائية متكاملة في محاولة لتجنيد الحكومات، والرأي العام في الغرب، تأييدا لمطالبتها بنزع سلاح حركة «حماس» في أي تسوية من أجل إنهاء العدوان الحالي على القطاع، من خلال الربط بين الفعل الذي تمارسه «حماس» ضد الاحتلال، وما يقوم به تنظيم «داعش».
برز بنيامين نتنياهو، بشكل واضح في محاولة توظيف هذا الربط اللامنطقي، عندما عرض على حسابه على «تويتر» صورة الصحافي الأمريكي جيمس فولي الذي أعدمه تنظيم «داعش»، فزعم أن «إسرائيل» تواجه «الشق الفلسطيني لداعش»، ممثلاً في «حماس». ورداً على سؤال مراسلة إحدى القنوات التلفزيونية الأوروبية، قال نتنياهو: «نحن بحاجة إلى دعم العالم الحر، يتوجب رص الصفوف في مواجهة الإسلام المتطرف، نحن نقاتل حماس التي تماثل داعش، حماس وداعش يتشاركان الأيديولوجية الظلامية نفسها، التي لا تعرف إلا القتل والدمار». ويتجاهل نتنياهو حقيقة أنه تنفيذا لتعليماته، فقد قتلت قنابل وسلاح الجو التابع له 546 طفلاً و325 امرأة و257 مسناً، فضلاً عن أن خمسة عشر صحافياً فلسطينياً وأجنبياً قتلوا بنيران جيشه.
لا يتردد المسؤولون الإسرائيليون في توظيف سلوك «داعش» لحشد الغرب إلى جانب «إسرائيل» في مواجهة «حماس»، فوزير الاقتصاد الإسرائيلي، نفتالي بينيت، زعم أن كلاً من «حماس» و»داعش» تخططان لفرض الإسلام على الغرب بالقوة. وفي مقابلة مع شبكة «بي بي سي»، قــــال بينيت إن «حماس مثل داعش تريد أن تفرض عليك اعتناق الإسلام، وإذا رفضت فمصيرك الموت، لذا يحظر علينا وعليكم السماح لها بتعزيز قوتها». وهناك في إسرائيل من يعتبر أن إضعاف «حماس» عسكريّاً يمثل انتصارا في الحرب بين الغرب والإسلام «المتطرف».
وفي مقال نشرته صحيفة «يسرائيل هيوم»، كتب الدبلوماسي بوعاز بسموت «على الغرب أن يدرك أننا في الجبهة نفسها في مواجهة الإسلام الجهادي، وعلينا ألا نتردد في إشراك الحكومات الغربية والمجتمع الدولي في هذا الصراع». وامتدح الكاتب اليميني، أمنون لورد، إسهام نتنياهو في إبراز مخاطر «التنظيمات الجهادية»، مشدداً على أن نتنياهو في مواجهته «حماس»، يقود حرباً باسم الغرب كله. وفي مقال نشره موقع صحيفة «ميكور ريشون» اليمينية، قال لورد: إن إسرائيل أخذت على نفسها مهمة مواجهة «وهزيمة» الإسلام المتطرف، مستهجناً أن تتصاعد الدعوات في الغرب لمحاكمة قادة إسرائيل بسبب الجرائم التي ارتكبها جيشها خلال الحرب على غزة.
يحاول نتنياهو تكرار ما قام به سلفه أرييل شارون، الذي استغل أحداث 11 سبتمبر/أيلول ليجند دعم الغرب في حربه ضد المقاومة الفلسطينية، خلال انتفاضة الأقصى، من خلال الربط بينها وبين تنظيم «القاعدة» المسؤول عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وكان شارون يصر في كل مقابلة مع قنوات التلفزة الأجنبية على تكرار العبارة ذاتها: «ياسر عرفات، أحمد ياسين، أسامة بن لادن». وقد وظف شارون الغطاء الذي منحه إياه الغرب حينها في تنفيذ أكبر عدد من عمليات الاغتيال التي طالت قادة حركات المقاومة، وعلى رأسهم الشيخ أحمد ياسين، وقيادات الصف الأول في حركة «حماس»، وأمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أبو علي مصطفى. كل هذه المناورات الخائبة من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي وحكومته وأقطاب النخب في «»إسرائيل» تسعى لشيطنة المقاومة الفلسطينية في نظر الرأي العام الغربي، عسى أن يفضي ذلك إلى تسوية جديدة بشروط إسرائيلية تستجيب لمطالب الحكومة الإسرائيلية. فقد كشف وزير الأمن الإسرائيلي، موشيه يعلون، أن «إسرائيل» تسعى إلى توظيف التصعيد العسكري و»ثبات» السكان في مناورات سياسية للتوصل إلى تسوية ستأتي عاجلاً أم آجلاً. وبحسب صحيـــــفة «يديعوت أحرونوت»، فقد قال يعلون لسكان المستوطنات: «إن هذا الأمر قد يستمر لبعض الوقـــت وقد يطول، ولكنني مقتنع في نهاية المطاف أن الطرف الآخر في وضعه الحالي بحاجة لوقف إطلاق النار أكثر منّا، وسيأتي ذلك في وقت ما، وقد يكون أبكر بكثير ممّا نراه، وفق محاولات التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار».
ومع أن يعلون دعا سكان المستوطنات إلى التحلي بالصبر والثبات، إلا أنه أقرّ بأن للمعركة أبعاداً سياسية وعسكرية. وهناك أيضاً بُعد آخر مهم، بحسب يعلون، وهو صمود الاستيطان والمستوطنات. وأشار إلى أن الهجمات التي شنتها المقاومة على المستوطنات الإسرائيلية في الجنوب ليست عبثية أو من باب الصدفة، مدّعياً «أننا أمام امتحان لقدرة تصميمنا وصمودنا كمجتمع، واختبارات أخرى نحن قادرون على الثبات فيها».. وأن «حملة الجرف الصامد ستتواصل ولن نوقفها قبل تأمين الهدوء والأمن لفترة طويلة قدر الإمكان».
كلام الحكومة الإسرائيلية أو معسكر الداعين إلى مجرد الصمود في مواجهة صواريخ المقاومة الفلسطينية يقابله معسكر الداعين إلى مزيد التصعيد وصولاً إلى شن عملية برية واسعة، فقد اعترف وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، في مقابلة مع القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي، بأن الحكومة الحالية لم تبلور لغاية الآن أهدافاً استراتيجية واضحة للعدوان، داعياً الحكومة إلى حسم المعركة ضد «حماس». وأضاف ليبرمان، في سياق انتقادات لسياسة نتنياهو، أنه طالما لم تحدد الحكومة أهدافاً واضحة للحرب، فإنه يحق لكل وزير من أعضاء الكابينت الإسرائيلي التعبير عن رأيه بحرية، مشيراً بذلك الى تصريحاته وتصريحات وزراء آخرين، ومنهم تسيبي ليفني ونفتالي بينيت، اللذين انتقدا موافقة نتنياهو على التفاوض مع «حماس» وطالباه بوقف هذه المفاوضات. وأعلن ليبرمان أنه عرض على الكابينت «خطة عمل لإخضاع حماس»، قال إنها «لن تستغرق شهراً ونصف الشهر، ولا حتى أسبوعاً ونصف الأسبوع، وهي خطة أعتقد أنه يمكن تطبيقها».
هي نزعة البراغماتية المعهودة لدى «إسرائيل» وقادتها السياسيين والعسكريين، يحاولون بها تمرير أهدافهم السياسية، من خلال استغلال غطاء أممي أو دولي او حتى غربي، فهل سيعيد الغرب الوقوع في جحر التهويل الإعلامي الإسرائيلي ودغدغة رهاب الإسلام لدى بعض الغربيين، كما فعل شارون إبان انتفاضة الأقصى؟

٭ كاتب وباحث فلسطيني

عن القدس العربي

التعليقات مغلقة.