بيدائيل بعد إسرائيل

43

 

شيرزاد اليزيدي

في اجتماع في جرابلس المحتلة من تركيا، نظم ما يسمى الحكومة السورية الموقتة وفي حضور رئيسها ووزير دفاعها وثلة من جنرالات جيشها السوري الحر ومن وصفوا بأنهم ممثلو العشائر العربية، ملتقى بعنوان «الجزيرة السورية عربية وستبقى عربية»، في محاولة جديدة لبعث الروح في رهانات حكومة العدالة والتنمية وسياساتها الفاشلة لاختلاق صراع عربي – كردي في سورية، وضرب مشروع الفيديرالية الديموقراطية الجغرافي، لا القومي، القائم على تمثيل ومشاركة شعوب الشمال السوري كافة فيه.

والمفارقة أن الاجتماع الذي عقد تحت العلم التركي في أرض سورية، أراد القائمون عليه تصوير أنفسهم حماة لحمى الوطن فيما هم يجتمعون بإيعاز من المحتل التركي وتحت حرابه. وما زاد جرعات الكوميديا السوداء أن المجتمعين ممن بدوا أشبه بدمى، حملت مجموعة منهم لافتات كرتونية تحمل شعارات كرتونية وتحريضية لا تمت إلى الواقع بصلة ولا بوقائع التعايش والتشارك العربي – الكردي على الأرض في شمال سورية وروج آفا كردستان. وكُتب على اللافتة التي اختزلت الشعار الرئيس للملتقى: لا لبيدائيل، في إشارة إلى حزب الاتحاد الديموقراطي تكون على وزن إسرائيل. فهل ثمة ما يثير القرف أكثر من هكذا مشهد عابق بالتناقض والانحطاط؟

مجموعة تلتقي تحت علم دولة محتلة تتشدق بمعاداة الدولة العبرية ورفض تأسيس إسرائيل جديدة باسم بيدائيل ككناية عن حزب PYD.

إن ما يتم تطويره من نظام اتحادي ديموقراطي لا يقتصر على روج آفا فقط، بل يشمل سائر الشمال السوري، وهو ليس حكراً على الحزب ولا يقتصر عليه، بل هو نظام مؤسساتي يؤطره عقد اجتماعي وقوانين ناظمة وانتخابات تأسيسية بدأت خطوتها الأولى وتتوالى فصولها.

وبدلاً من توهم وجود إسرائيل جديدة والتفنن في إطلاق النعوت على «الوليد» الإسرائيلي «اللعين»، الأجدى بهذه المجاميع بداية تحرير جرابلس وغيرها من مناطق من المحتل التركي، ثم المبادرة إلى تحرير الجولان وهي أرض سورية، من المحتل الإسرائيلي. فما الفرق بين الاحتلالين التركي والإسرائيلي؟

الواضح أنه مع الفشل الذريع والحضيض الذي بلغه الائتلاف ومعه مختلف مجاميع «المعارضة» العنصرية الطائفية، فإنهم يحاولون مرة أخرى وعبر النفخ في البعبع الكردي وإثارة النعرات بين مكونات روج آفا وشمال سورية، تقديم الخدمات للقوى الراعية لهم، خصوصاً الراعي التركي. وليس خافياً أن محاولات إجهاض تجربة شمال سورية شغل تركيا الشاغل على مدى أعوام، وهو ما بدأ منذ انطلاق ثورة روج آفا مروراً بدخولها مرحلة الإدارة الذاتية الديموقراطية، وصولاً إلى طورها الفيديرالي قيد التدشين والإنجاز. فالكرد ومعهم مكونات شمال سورية وشعوبه كافة، ليسوا في وارد الاستقلال وتشكيل دولة، بل هم أكثر من يسعى إلى بناء سورية جديدة ديموقراطية واتحادية تشكل وحدها طريق الحل والخروج من دوامات الحرب الأهلية والتقسيم والانسداد الوطني المزمن .

الجزيرة السورية سورية وستبقى سورية تضم الكرد والعرب والآشوريين والأرمن والسريان والمسلمين والمسيحيين والإيزيديين… وتحتفي بتعددها وتنوعها، وهي لن تكون عربية فقط كما تقول حكومة الائتلاف المرعية من قبل المحتل التركي. فالجزيرة غدت الآن إقليماً يضم مقاطعتي الحسكة وقامشلي وهي أحد أضلاع مثلث أقاليم فيديرالية شمال سورية جنباً إلى جنب إقليمي الفرات وعفرين، وفق التقسيمات الإدارية للنظام الفيديرالي شمال سورية الذي دخل طور التطبيق والمأسسة.

 

المصدر: الحياة

التعليقات مغلقة.