تَعثُر الدبلوماسية الكردية في العراق و تداعياتها
“من هنا لابدّ للدبلوماسية الكردية في روجآفاي كردستان أن تأخذ العِبر من تجربة الأشقاء في كردستان العراق و أن تتفهم مصالح ومشاريع الدول المؤثرة في المنطقة عامة وسوريا خاصة, وأن تتعاطى مع التوازنات الدولية والإقليمية بحنكة وهدوء- على قاعدة سياسة المرحلة – وأن تعي بأن عصر المصالح الحزبية والفئوية قد ولّى”
لقد أثار قرار القيادة السياسية لإقليم كردستان إجراء الاستفتاء على الانفصال مخاوف وقلق أوساط واسعة من المثقفين و الساسة الكرد من تداعيات هذا القرار في ظلّ ظروف كردستانية و عراقية و إقليمية ودولية معقدة وغير مستقرة، ومفتقرة لعوامل إنجاح هكذا مشروع قومي .
حيث أن البيت الكردي كان وما يزال يعاني من التشتت والانقسام في ظل تعطّل المؤسسات الدستورية الرئيسية كالبرلمان، إضافة إلى الخلافات القائمة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، إلى جانب دور دول الجوار المشبوه في تأزيم وتعميق هذه الخلافات, ودفع الأمور نحو صِدام مسلح بين بغداد والإقليم ليتحول هذا الصدام إلى وسيلة لاحتلال كركوك، ونسف المكتسبات القومية التي تحققت خلال العقود الماضية بفضل تضحيات آلاف الشهداء.
ولقد كنا نعتقد أنَّ المساعي الدولية وتدخّل أصدقاء الشعب الكردي لدى القيادة السياسية في الإقليم ستُسفِر عن موقفٍ كرديٍّ متوازن ومسؤول يجنّب كردستان مجابهة عسكرية تخطط لها القوى الاقليمية والحكومة المركزية في بغداد التي هيأت لها عشرات الآلاف من الجنود وقوات الحشد الشعبي الطائفية والشرطة الاتحادية مزودة بأسلحة متطورة بهدف السيطرة على كركوك وباقي المناطق الكردستانية المتنازع عليها.
لكن تمسك قيادة الإقليم بموقفها وعدم الإصغاء لدعوات أصدقاء شعبنا, وكذلك تشبث حكومة بغداد باللجوء الى الخيار العسكري أدى الى سقوط كركوك وباقي المناطق واستشهاد العشرات من البيشمركة الأبطال وجرح أعداد كبيرة منهم إضافة إلى تهجير عشرات الآلاف من سكان كركوك وإحداث شرخ في صفوف الحركة الكردستانية في الإقليم.
وبتقديري لم تكن الخلافات السياسية بحد ذاتها أمراً خطيراً إذ غالباً ما يحصل التباين في آراء السياسيين حتى داخل الحزب الواحد والهيئة الواحدة. لكن أخطر ظاهرتين واجهتها كردستان العراق هي:
أولاً – وجود قوتين عسكريتين في إقليم واحد.
ثانياً – تعطيل الحالة المؤسساتية في كردستان وعدم فعالية الجانب الدبلوماسي والارتقاء إلى المستوى المطلوب للتعامل مع التوازنات الدولية والإقليمية بحكمة وإتقان. في وقتٍ يمكن تصحيح هاتين الظاهرتين وتوحيد الخطاب ومعالجة الجروح.
ولا شك إن ما جرى في كردستان العراق له انعكاساته السياسية والاقتصادية والأمنية على روجآفاي كردستان مما يستدعي مراجعة عميقة ومسؤولة، ومتابعة دقيقة لتحركات الدول الغاصبة لكردستان ومخططاتها العدوانية التي تحاك في هذه العاصمة الإقليمية أو تلك.
فحكومة أنقرة تتحالف اليوم بشكل علني مع جبهة النصرة في محافظة إدلب على مرأى ومسمع المجتمع الدولي تحت غطاء اتفاقية أستانة بهدف نسف المنجزات القومية والوطنية التي تحققت في روجآفا وتشديد الحصار على عفرين, وتهدد بمغامرة عسكرية هناك بعد تحرير الرقة من قِبل قوات سورية الديمقراطية بدعم من التحالف الدولي.
ويحرك النظام التركي أدواته في الائتلاف وما يسمى بالجيش الحر تزامناً وتنسيقاً مع طهران وبغداد لتكريس احتلاله للأراضي السورية وتوسيع هذا الاحتلال وممارسة المزيد من الضغط على روجآفا.
ومن الواضح إن ما حصل في كردستان العراق منح فرصةً ذهبيةً للدول الغاصبة لتفعيل غرفة عملياتها الأمنية، وتجميد تناقضاتها وخلافاتها السياسية والمذهبية من أجل ضرب طموحات الشعب الكردي وتطلعاته المشروعة.
من هنا لابد للدبلوماسية الكردية في روجآفاي كردستان أن تأخذ العِبر من تجربة الأشقاء في كردستان العراق وأن تتفهم مصالح ومشاريع الدول المؤثرة في المنطقة عامة وسوريا خاصة, وأن تتعاطى مع التوازنات الدولية والإقليمية بحنكة وهدوء- على قاعدة سياسة المرحلة – وأن تعي بأن عصر المصالح الحزبية والفئوية قد ولّى. حيث نعيش عصراً جديداً من أهم سماته التفاعل مع المستجدات واحترام القيم الديمقراطية, وعدم الاستئثار بالقرارات, والمواقف المتشنجة، والعمل من أجل الربط بين المصالح القومية والمصالح الوطنية دون التناقض مع مصالح القوى الدولية الفاعلة على الأرض (القوى العظمى) مع أخذ الحيطة و الحذر من الدور الإقليمي المشبوه خاصةً ما تحيكه أنقرة من مؤامراتٍ عدوانيةٍ ضد الشعب الكردي وحقوقه المشروعة. كما ينبغي أن نعي بأن من يقف معنا ليس لكوننا شعب عانى من القمع والقهر والاضطهاد فحسب، بل إن دعم الآخرين لنا نابع من مدى فعاليتنا على الأرض ودورنا في الأزمات التي تعيشها بلداننا إضافةً إلى احترامنا للمثل الديمقراطية وحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب الذي شكل عاملاً رئيسياً في تعاظم الدور الكردي الذي توّج بتحرير عاصمة الدولة الإسلامية (الرقة) بفضل دماء مئات الشهداء الأبطال من أبنائنا وبناتنا دفاعاً عن الإنسانية برمّتها.
وختاماً فإن الدبلوماسية الموفقة تقلل الأعداء وتكسب المزيد من الأصدقاء.
*سكرتير حزب اليسار الديمقراطي الكردي
نشرت هذه المقالة في العدد (68) من صحيفة Buyer تاريخ 1/11/2017
التعليقات مغلقة.