الرمز في قصة (عيد ميلاد القائد) للقاص عامر فرسو
عبد المجيد محمد خلف
نص القصة: (أُغلقت كل الطرق، والمنافذ إلى الساحة الكبيرة في تلك المدينة الصغيرة، وتوزَّع المسلحون في الزوايا القاتلة، ومع التوقيت المحدد للاحتفال، توافد الصبية، والأولاد، وتوزعوا في الساحة فرحين لألوان العلم، والرايات التي تلامس زرقة السماء, وعلا تصفيقهم وصفيرهم، عندما كُشف عن صور القائد في كل اتجاهات الساحة, لحظات، وتوافدت الجماهير الهاتفة باسم القائد، وحياته, وبعدها بقليل، سيارات سوداء اللون دخلت السّاحة، مخترقة صفوف الجماهير, وفي لمح البصر، توزّع المسؤولون على الكراسي، كلٌّ حسب ولائه، وصمته، واعتلى أحدهم المنبر، وبدأ يتلو آيات التمجيد والتقديس العمياء لشخص القائد, ارتفعت هتافات الجماهير، وثارت الحماسة في نفوس المسلحين، فاخترقت طلقات بنادقهم صفحة السماء، وتلاقت إحداها مع صدر حمامة كانت تحلق بأمان, هوت نحو الأرض، ولامست التراب مضرجة بدمائها، صامتة في صخب عيد ميلاد القائد؟!)….
يطالعنا العنوان على حالة رمزية تخلق بداخلنا لهفة لمعرفة ما الذي جرى في عيد ميلاد القائد، وجاء العنوان قواعدياً مؤلفاً من مبتدأ ومضاف إليه؛ فالمبتدأ للإخبار عن حدث تأتي الإضافة له لتوضحه، ولتسرد ما الذي سيتمخض عنه من أحداث لهذه القصة، ونهاية غير متوقعة، يجري التكهن بها بعكس مضمون النص، في حالة من التهكم والسخرية المبطنة؛ إذ يوحي العنوان أحياناً بما يخالف مضمون النص؛ ففي دلالة رمزية غير متوقعة تدفع بنا الأحداث، وتُسرد متتابعة خلف بعضها في نسيج متداخل، وكل لا ينفصل إحداها عن الأخرى، فـ(الانتهازية- الولاء- قتل الطبيعة- والحرمان من الحرية- النفاق- الصمت عن الجرائم- تحمل المسؤولية مع القائد)، مفاهيم تم التعبير عنها من خلال (123) كلمة استخدمت الرمز بشكل واضح، عبر نص مكثّف مترابط جداً…
فكل تلك الجلبة والفوضى، وإغلاق للطرق والمنافذ، وإعلان حالة الطوارئ في مدينة صغيرة يصمم القائمون على أمرها بالولاء لقائدهم، فجاؤوا بالمسلحين للحماية، الأولاد الصغار ليتعلموا الطاعة منذ الطفولة، الجماهير المغلوبة على أمرها لتهتف بحياته، المسؤولين لتأكيد ولائهم المطلق له، والملتزمين بالصمت على جرائمه للحفاظ على مناصبهم؛ فكانت الكراسي متناسبة مع مستوى الطاعة المقدمة، والخطب على المنابر كوسيلة لتمجيده، وترسيخ حكمه بين الناس الهاتفة باسمه دائماً، خوفاً ورهبة منه، والبنادق التي لابد من حضورها في هذا الجوّ المدني المليء بفرح مفترض، وكرنفال أكره الجمهور على حضوره، في حالة متناقضة؛ لأنها غير محبذة لهكذا أجواء، ولكن، وبما أن السطلة غير مرحبة بها، ومكروهة، فلابد من حضورها؛ تفادياً لأي أمر طارئ، بمفهوم عسكرة الوطن، الذي اعتاد عليه الجمهور في البلاد التي تمارس القمع والإرهاب ضدهم، وفوق كل ذلك، نجد إطلاق النار بعد حماسة وحمية، دبت في نفوس العسكر الذين جاؤوا لحماية الاحتفال، وإذ بطلقة تصيب حمامة، والتي أشار إليها الكاتب كرمز للسلام والحرية في عيد ميلاد القائد، وهذا بالطبع، تأكيد على أنه تم التضحية بالحمامة التي لم تسلم منهم حتى وهي في السماء، وهذا يعني أن سلطة القائد طالت حتى الطبيعة، ولولاها لكان ربما هناك شخص آخر يُضحى به في هذا الحفل؛ قرباناً لمناسبات القائد التي لابد أن ينشغل الكل بها، وحدها كانت صامتة في هذا الجو المليء بالصخب والفوضى، في مدينة صغيرة لا تستحق إجراء كل هذه المظاهر الاحتفالية فيها، ولكن المسؤولين أبوا إلا أن يقيموا الاحتفال، ولو في مدينة كهذه، وغيرها من المدن، التي لا تغفل عنها عيون القائد، وأعوانه…
نشرت هذه المادة في العدد (67) من صحيفة Buyerpress
بتاريخ 15/10/2017
التعليقات مغلقة.