“محنة الأكراد”
إياد عبدالكريم
قبل استيلاء البعث على السلطة عام 1963 كانت سوريا تدار من قبل نخب برجوازية متنورة وشهد السوريون ديمقراطية مبكرة في المنطقة انتهت بإعلان الوحدة مع مصر في عام 1958 ورغم ذلك لم يكن في مقدور السوريين الاعتراف بالوجود القومي الكردي رغم سلميته بسبب وجود جارة كتركيا شكلت أمنها القومي بعد معاهدة لوزان على قاعدة ملاحقة الأكراد أينما وجدوا.
لقد هددت قومية حزب البعث الكرد في سوريا لكن الشوفينية التركية بقيت العدو الأخطر للقضية الكردية ورغم إعلان الكرد كفاحهم المسلح ضدها بشكل منظم منذ عام 1984 إلا أن تركيا لا تزال تدعي أن أي صعود للأكراد في سوريا سيدفع نظرائهم في تركيا للمطالبة بحقوقهم.
لذلك يعتقد كثيرون بأن حديث الكرد عن الفدرالية في سوريا كان أهم محركات التقارب الرباعي “التركي- الروسي الإيراني السوري” وأن من نتائجه سابقةُ استخدامِ النظام السوري الطائرات في الحرب ضد الكرد في مدينة الحسكة، إلا أن صحة هذا الاعتقاد لن تعني أن الأكراد أخطئوا في طرحهم، فمنذ سنوات وطائرات النظام ومدافع المعارضة تواصلان تبادل القذائف والصواريخ دون رأفة رغم أن أي منهما لا يتطرق إلى الفدرلة أو غيرها كتصورات لحل الأزمة.
وبدا الأمر فيما يتعلق برفض الفدرالية وكأنه فرصة لتلاقي النظام والمعارضة في الحد الأدنى من الإجماع حول وحدة الوطن أو هكذا اعتقد المتحمسون لفكرة الدولة المركزية في الطرفين، والحقيقة أن مصدر هذا التقاطع بين النظام والمعارضة هو عزم وتصميم ومراهنة كل منهم على حسمٍ عسكري يستولي عبره وبمفرده على الحكم، خصوصاً أن كلاهما لا يمكنه أن يقتنع بكونه يصارع شريكاً مؤجلاً.
ولعل المشكلة الحقيقية هي في هذا الهروب من الحديث عن أي مشاريع للحل، فطموح كل من المعارضة والنظام هو السيطرة على كامل سوريا وإلغاء باقي الأطراف بينما محنة الأكراد في أنهم يطرحون مشاريع تنهي الصراع وتؤسس لشراكة حقيقية خصوصاً وأن ما وصلت إليه الأزمة المجتمعية في سوريا ومذهبة الصراع بلغت أعماق المجتمع السوري، وإن نضج التفاهمات الإقليمية والدولية والذهاب إلى تشكيل حكومة مشتركة لن يمكن السوريين على المدى القريب من تجاوز الأزمة التي كرستها سنوات الاقتتال تحت شعارات طائفية وعرقية، وعلى خلاف ما روج له البعض من أن لدى الكرد نوايا (انفصالية) فإن طرح الكرد للفدرالية ألهب نوايا مختلف الأطراف المشتركة في الأزمة السورية ونزعة الاستئثار لديهم وخصوصاً بعد معركة الحسكة حيث أتت منسجمة مع تعنت كل من النظام من جهة والمعارضة من جهة أخرى، كذلك فإن محاولات النظام فرض السيطرة على الحسكة توافقت مع التنسيق الرباعي الأخير الذي يرعى مصالح جميع الدول ويستثني مصالح الشعب السوري وضمنه الكرد.
وبعد إحدى اللقاءات للمبعوث الأمريكي مايكل راتني مع الائتلاف المعارض ونصيحته لهم بالحوار مع الأكراد والتقرب من الروس جاء الرد التركي بالتدخل المباشر عبر جرابلس وزج المعارضة السورية في معركة تركية ضد الدور الكردي، ولاشك أن هذا سيكلف الأكراد وسيضطرهم إلى مبارزات عسكرية لم تكن ضمن خياراتهم ما يعني أن الضوء الأخضر الأمريكي لتركيا لدخول مدينة جرابلس ليس القناعة النهائية بالنسبة للأمريكان، حيث اعتقد الأمريكان أنها ثمناً أقل خسارة لزعزعة الحلف الرباعي الذي يعتبر التهديد الأخطر للدور الكردي في مستقبل سوريا، لكن ذلك التقدير بدا غير موفقاً خصوصاً بعد التصعيد التركي الخطير والمستمر في عفرين من جهة ومواقفها المعادية للاستفتاء في كردستان العراق.
محنة أخرى تضاف إلى أزمة الثقة بين السوريين ويعاني منها الأكراد أكثر من غيرهم وهي لجوء عموم السوريين إلى تفسير الأمور دائماً انطلاقا من نظرية التآمر والتي تهيمن على الذهنية الوطنية، فمعظم الأطراف السورية تعتبر أن أية تحولات سياسية كبيرة ليست إلا من صنيعة القوى الخارجية مما يدفع جميع الأطراف لتبادل التهم بأنهم عملاء لجهة أجنبية ما.
وليتمكن الأكراد من تجاوز هذه المحنة وتخفيف وطأة الاحتمالات الأكثر سوءً، يجب عليهم عدم التراجع في تصورهم للحل بل بذل المزيد من العمل وتوضيح تصوراتهم والتمسك بوضع مشروعهم في سياقه الوطني السوري الصحيح وإيجاد شركاء حقيقيين لهذا المشروع عبر سوريا، والدفع نحو الحل السياسي الذي تعرقله مصالح القوى الإقليمية والدولية في المنطقة.
ويجب أن نتذكر دائماً أن الشعب الكردي شعب تم اضطهاده ولا يزال باستخدام كافة الوسائل القمعية من قبل الأنظمة الحاكمة وفي مقدمتها تركيا وإيران وتذكير الرأي العام العالمي والمحلي بهذه الحقيقة والتأكيد على أن صعود نجم الكرد كمقاتلين أشداء كسروا إرهاب داعش هو بعضُ الحقيقة، وأن داعش لم تهزم الأكراد لكن سياسات المنطقة لازالت تهددهم.
*عضو المنسقية العامة لحركة الإصلاح-سوريا
نشر هذا المقال في العدد (67) من صحيفة Buyerpress
بتاريخ 15/10/2017
التعليقات مغلقة.