حين يصبح المجلس الوطني الكُردي “معارضة”
جاندي خالدي
استفتاء كردستان الذي سبقه إجراء أولى انتخابات النظام الفيدرالي لشمال سوريا شكَّلا إعلاناً جديداً لمرحلة لا بدّ أن يتم الخوض فيها جيداً والاستعداد بعدها للمراحل القادمة، وضمن هذا تترتب مسؤوليات تاريخية على عاتق الطرفين الكرديين السورييَن للخروج بنتائج هامة ، وإرساء نظامٍ جديد تنبني عليه خريطة الطريق لحلّ الخلافات العالقة.
كثيراً ما خرجت علينا قيادات حزب الاتحاد الديمقراطي ومجالسه وتفرّعاته بالكثير من التصريحات التي مؤداها أنّ تجربة جنوب كُردستان من غير الممكن أن تتكرَّر في كُردستان الغربية، من ناحية ما يطلقون عليه عادةً “ازدواجية السلطة واقتسامها بين الحزبين الرئيسين هناك” مستندين في ذلك على اختلاف الظروف ما بين الجزأين الكردستانيين حسب تلك التصريحات.
بالمقابل فإنّ المجلس الوطني الكُردي الذي يقوده الحزب الديمقراطي الكردستاني- سوريا يرى في تجربة إقليم كُردستان منهاجاً يسيرون عليه، وهذا يتبيّن من خلال مسيرة المجلس وسياساته وبياناته في ظل الدّعم المُعلَن والصريح من قيادة الإقليم له.
اختلاف وجهتي النظر هاتين لا ينفي أنّ تجربة إقليم كُردستان لم تكن طريقاً مفروشاً بالورود، فالخلافات هناك كانت أعمق وأكثر إيلاماً مما هو موجود لدى الحركة السياسيّة الكرديّة في سوريا، إلا أنّ – أي السياسيين الكُرد في سوريا – بإمكانهم وضع التجربة تحت المجهر كي لا تتكرّر مآسيها و للاستفادة من إيجابياتها قدر الإمكان.
وفي ظل الخلافات الواسعة غير الخافية ما بين طرفيْ المعادلة الكردية سورياً، وفي ظل المحاولات الحثيثة – التي بائت كلّها بالفشل – لتقريب وتوحيد الطرفين من النواحي الإدارية والسياسية والعسكرية؛ كاتفاقيتي هولير 1 و 2 واتفاقية دهوك .. وغيرها من المحاولات التي شَرَع بها مثقفون وكتّاب وعشائر، وفي ظل الرغبة الشعبيّة الكردية الواضحة لضرورة توحيد الخطاب الكردي في هذه المرحلة. في ظل كلِّ ذلك تبقى مسألة التقارب أو أي شكلٍ من أشكال الاندماج أو العمل المشترك بينهما شيئاً صعباً جداً ولا أسس قويّة تنبني عليه هذه ” الرغبة”.
لا مجال هنا للخوض في أسباب عدم إمكانية الوصول لاتفاق بين الطرفين، إذ أنّ البحث عن البدائل للحالة الراكدة في الحراك السياسي الكردي بينهما هو الأجدى والأنفع.
استفتاء كردستان الذي سبقه إجراء أولى انتخابات النظام الفيدرالي لشمال سوريا شكَّلا إعلاناً جديداً لمرحلة لا بدّ أن يتم الخوض فيها جيداً والاستعداد بعدها للمراحل القادمة، وضمن هذا تترتب مسؤوليات تاريخية على عاتق الطرفين الكرديين السورييَن للخروج بنتائج هامة، وإرساء نظامٍ جديد تنبني عليه خريطة الطريق لحلّ الخلافات العالقة.
ومحتوى هذا – بعد تحقّق النظام الفيدرالي – أنّ مسؤوليات حزب الاتحاد الديمقراطي تتجلّى في خلق بيئة ديمقراطيّة، عدم الانفراد في السلطة، تهيئة الأجواء الملائمة للحراك الحزبي أو السياسي المعارض، تشجيع منظّمات المجتمع المدني للقيام بالدّور المنوط بها في رقابة عمل السلطات التّابعة للنظام الفيدرالي، محاربة الفساد وإرساء الديمقراطية الفعليّة في المجتمع، إطلاق الحريات العامّة والخاصة على حدٍّ سواء والإفراج عن المعتقلين السياسيين وخاصةً المنضوين في المجلس الوطني الكُردي.
ويتحمل المجلس الوطني الكُردي مسؤوليّات كبيرة أيضاً تتجلّى في العودة للعمل السياسي داخل الإقليم الفيدرالي والإعلان عن نفسه كمعارضة سياسيّة للسلطة القائمة – بعد أخذ الضمانات – تغيير الخطاب السياسي القائم على عدم تقديم مشروع سياسيّ واضح ومفصَّل في خطواته للعمل عليه، تبنّي مشروع الفيدرالية والعمل على تقديم أطروحات لتطويره بدلاً من رفضه قطعياً، وضع علاقاته الدبلوماسية والخارجية في خدمة المشروع الكردي، التركيز على الواقع الخدمي والمعيشي وعمل شيء حيال ذلك بعد أخذ ضمانات من السلطة.
ويتحمل الطرفان السياسيان مغبّة أي انقسامٍ قد يحدث في المجتمع الكردي على أساسٍ حزبي ضيق نتيجة الحرب الإعلامية التي يشنّها أحدهما على الآخر، ولغة الخطابات التي تدعو للكراهية والتخوين وعدم قبول الآخر أو عدم تقبُّل الرأي المخالف سياسياً.
قد تكون هذه المسؤوليات ليست متاحةً بالوقت القريب، ألّا أنّها قد تكوِّن شكلاً من النظام السياسيّ الجديد للمنطقة الكرديّة، ولعلّ ما صرَّح به السيد شاهوز حسن “الرئيس المشترك الجديد لحزب الاتحاد الديمقراطي” على إحدى القنوات الفضائية الكردستانية أثناء زيارته لمراسيم جنازة المام جلال الطالباني في الإقليم يؤكِّد أنّ ما يمكن أن يكون متاحاً بالوقت الحالي هو أن تكون الحالة السياسيّة متوازنة ما بين سلطة في النظام الفيدرالي الجديد متمثِّلة بحزب الاتحاد الديمقراطي وتفرّعاته ومؤسساته من جهة وما بين معارضة سياسية متمثِّلة بالمجلس الوطني الكُردي من جهةٍ أخرى.
وهذا ما دعا إليه حسن صراحةً شرط أن تكون هذه المعارضة “ضمن النظام الفيدرالي”، وعلى كل الأحوال فإنّه لا يمكن أن تتشكّل معارضة من خارج النظام ضد سلطة ما داخله وإلا كانت مشوَّهة أو دون تأثير حقيقيّ. وهذا مرتبط بشكلٍ أساس في إعلان حزب الاتحاد الديمقراطي قبوله للسلطة – كمصطلح سياسي وقانوني – يترتب عليه واجبات أساسية ومسؤوليّات قانونيّة ومحاسبيّة تحمي حق المواطن في العيش بأمان، ومحاسبة كلّ من يعتدي على حقوقه الشخصيّة والعامّة. كما أنّه مرتبط بإعلان المجلس الكردي لنفسه كمعارضة ضمن النظام القائم.
ولعلّ الواقع السياسي الحالي في روجآفايى كردستان ولسان حال الكُرد السوريين الذين يخوضون تجربةً كبيرة على كافّة الصعد السياسية والعسكرية والإدارية والدبلوماسية منذ بدء الأزمة السورية، يثمِّن وجود المجلس الوطني الكُردي – بغض النظر عن أدائه سلباً أو إيجاباً – إذ تكمن أهميته في خلق توازن في الحالة السياسية وبالتالي فسحة أكبر في حرية الرأي وحرية التعبير وحرية ممارسة الحياة السياسية له وللجميع.
البيت السياسيّ الكردي في سوريا – اليوم – بحاجة لواقعٍ سياسي حديث والشعب فيه يحتاج إلى بيئة جيدة لممارسة الحياة المدنيّة والمجتمعيّة، ويتحمل السياسيون مسؤولية بناء منظومة للتعايش السلمي وفسح المجال أمام المشاريع المستقبلية للمنطقة الكُردية .. منظومة تتماشى مع النّظم الحديثة في الدول الديمقراطية التي عاشت هي الأخرى حروباً كثيرة .. واقعٌ يفرض على الكُرد في روجآفايى كُردستان أن يفكِّروا في البناء، فالزمن الآن زمن الإصلاح والبناء.
نشر هذا المقال في العدد (67) من صحيفة Buyerpress
بتاريخ 15/10/2017
التعليقات مغلقة.