لقاء نتنياهو- بوتين في سوتشي.. ما الذي تريده إسرائيل في سوريا

38

ماجد كيالي

يؤكد لقاء بنيامين نتنياهو وفلاديمير بوتين، في سوتشي يوم 23 أغسطس الجاري، دخول إسرائيل على خط الصراع الدولي والإقليمي الدائر في سوريا، بطريقة مباشرة هذه المرة، علما أن هذه هي الزيارة السادسة من نوعها لرئيس الحكومة الإسرائيلية إلى روسيا، منذ أواخر العام 2015، تاريخ انخراط الجيش الروسي في الصراع الدائر في سوريا، والتي تركّزت على بحث الأوضاع في هذا البلد، والتنسيق مع روسيا في المجال الأمني في شأن ما تعتبره إسرائيل أمنها القومي، لا سيما في ما يخص إبعاد إيران وميليشياتها (العراقية واللبنانية) عن حدودها الشمالية؛ ناهيك عن تطوير العلاقات الثنائية بينهما.

 

ويأتي هذا اللقاء بعد التصريحات الصادرة عن العديد من المسؤولين الإسرائيليين الذين عبروا عن رفضهم أو عن تشكيكهم باتفاقية “خفض التصعيد” في الجنوب السوري، التي جرى التوافق عليها مؤخرا بين روسيا والولايات المتحدة والأردن، باعتبارها لا تلبي تماما مطالب إسرائيل، إن بشأن إبعاد القوات الإيرانية، والميليشيات التي تدور في فلكها عن حدودها الشمالية، أو بشأن تحجيم نفوذ إيران في سوريا، وبخاصة عدم تمكينها من فتح ممر كرادور من إيران إلى لبنان، علما أن إسرائيل كانت بعثت بوفد أمني إلى الولايات المتحدة للتباحث حول ذات الموضوع.

 

بيد أن ما يجدر الانتباه إليه هنا هو أن إسرائيل لا تنطلق في مخاوفها من تطورات الصراع السوري باعتبار أن الوجود الإيراني يهدد وجودها، إذ أنها تعرف أن هذا الوجود منضبط، وأن إيران ليست في وارد تغيير قواعد اللعبة لمعرفتها بعواقب ذلك على نفوذها في العراق وسوريا ولبنان، بدليل أن حزب الله لم يطلق رصاصة واحدة على إسرائيل منذ العام 2000 (باستثناء لحظة خطف الجنديين الإسرائيليين في 2006 لأغراض داخلية)، بل إنه انخرط في الصراعات الداخلية والطائفية على السياسة والسلطة في سوريا ولبنان.

 

أيضا تدرك إسرائيل أن الوجود الإيراني لا يغير من موازين القوى كثيرا في المدى المنظور، لكنها تريد من كل ذلك تحقيق أمرين؛ أولهما نزع أي تهديد، ولو من أي مستوى، قد يربك جبهتها الداخلية من خلال قصف مدفعي، بغض النظر عن مفاعليه الحقيقية. وثانيهما الحؤول دون تزايد نفوذ إيران على الصعيد الإقليمي، إذ أن هذه الدولة بعد سيطرتها على العراق وسوريا ولبنان قد تصبح شيئا آخر، وربما تصبح لاعبا إقليميا يحسب حسابه، وهو ما ترى إسرائيل أنه سيكون على حسابها، وهذا ما تعتقد أن عليها الحؤول دونه، بالتنسيق مع روسيا، التي يناسبها هذا الأمر، باعتبار سوريا ورقة في يدها وليست في يد إيران، وبالتنسيق مع الولايات المتحدة، التي وضعت إيران في أهدافها، إن بسبب طموحاتها الإقليمية أو بسبب سعيها لحيازة قوة نووية.

 

ثمة أمر آخر يثير مخاوف إسرائيل ناجم عما تراه تخبطا في السياسة الأميركية في إدارة الصراع السوري. فحسب الصحافي الإسرائيلي ناحوم برنياع، فإن “وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون أعد صفقة بديلة: سوريا مقابل العراق. الأميركيون يتركون الساحة السورية لمحور بوتين – خامنئي – الأسد، والروس وشركاؤهم يتركون الأميركيين يعملون في الساحة العراقية، أمّا عندما سيتبدد تهديد تنظيم داعش، فإن الإيرانيين سيعودون إلى العراق أيضا. فالمحور الشيعي سيحقق تواصلا إقليميا، من إيران حتى البحر المتوسط”. (كما ورد في يديعوت أحرونوت 25 أغسطس).

 

ولعل كل هذه المخاوف تفسر مراقبة إسرائيل للتطورات الميدانية في سوريا، خاصة تدفقات السلاح من إيران إلى لبنان، وقيامها بين فترة وأخرى بقصف شاحنات سلاح أو مراكز تجمع لقوات إيرانية أو تابعة لإيران قرب حدودها الجنوبية، وعن ذلك يقول المحلل إسرائيل هرئيل “في السنوات الخمس الأخيرة، نفذ سلاح الجو في سوريا حوالي مئة هجوم ضد قوافل السلاح، التي كانت في طريقها لحزب الله. لكن لم ننجح في منع تهريب حوالي 150 ألف صاروخ. من المحظور على إسرائيل الاستمرار في التسليم بالتغييرات الاستراتيجية الكبيرة مثل تمركز الحرس الثوري على الحدود الإسرائيلية، في سوريا وفي لبنان، وفي ما بعد في غزة، وربما حتى في الأردن”. (هآرتس 25 أغسطس).

 

في هذا الإطار ثمة تقرير إسرائيلي بالغ الأهمية، كتبه أودي ديكل وعميت فالنسي، يحدد “عدد المقاتلين في الميليشيات الشيعية في سوريا بنحو 20 ألفا، وعدد المقاتلين الإيرانيين بنحو ألف مقاتل”، لكنه يرى أن “النفوذ الإيراني السياسي والعسكري واسع وشامل. وتتركز مصالح إيران في سوريا في المحافظة على استقرار نظام الأسد، وإنشاء ممر لوصول الإمدادات إلى حزب الله في لبنان، وجعل الحيز السوري قلب ‘الهلال الشيعي’ الممتد من طهران إلى بغداد ودمشق وصولا إلى بيروت”.

 

وبرأي معدي التقرير فإن الرسالة الإسرائيلية من زيارة نتنياهو إلى روسيا ولقائه بوتين مفادها “أنه إذا تحققت المخاوف بشأن وجود إيراني بالقرب من حدود إسرائيل، فإن هذا يمكن أن يغير سياسة الوقوف على الحياد التي انتهجتها إسرائيل منذ العام 2011، ويدفعها إلى التدخّل بصورة فاعلة بما يجري في جنوب سوريا”. وعندهما فإنه “يجب تقديم أربعة مطالب أساسية إلى روسيا: مشاركة إسرائيلية، على الأقل من وراء الكواليس، في النقاشات بشأن مستقبل سوريا. إشراف ورقابة روسيا لمنع تواجد إيران والتنظيمات الدائرة في فلكها في جنوب سوريا وإبقائها على الأقل على بعد 40 كيلومترا من الحدود. منع إيران من استخدام أرصدة استراتيجية روسية مثل مرافئ ومطارات، ومنع انزلاق سلاح روسي إلى حزب الله والميليشيات الشيعية”.

 

بالنسبة للولايات المتحدة فالمطلوب “بلورة استراتيجية مشتركة في الموضوعين السوري والإيراني بالتشديد على أن أفكارا سلفية جهادية لن تتبدد بعد هزيمة داعش، وأنه من المتوقع أن يستمر التطوع في صفوف السلفية الجهادية في ضوء الهيمنة الإيرانية في المجال العراقي والسوري واللبناني. إقناع الإدارة الأميركية بضرورة إقامة فاصل في الهلال الشيعي، ومواصلة دعم حكومة حيدر العبادي في العراق، بصورة تقلل من تأثير إيران وتضع عوائق على سيطرتها على سوريا.

 

مشاركة الولايات المتحدة في مراقبة اتفاقات وقف إطلاق النار في سوريا، وفي ترميم المجال المدني في جنوب سوريا وإنشاء قوى محلية معارضة للنفوذ الإيراني”. (مباط عال، نشرة معهد دراسات الأمن القومي 25 أغسطس الجاري).

 

المصدر: العرب اللندنية

التعليقات مغلقة.