ديناميكية الإدارة والمخاطر المحدقة
حسن عساف
بعد تحول الثورة السورية السلمية والبنّاءة عن مسارها الحقيقي وتحولها إلى أداة بيد الدول الاقليمية والكبرى بفعل المعارضات الخارجية وقياداتها الارتزاقية وتحويل سوريا إلى ساحة لتصفية الحسابات وورقة ضغط بين الخصوم الإقليميين والدوليين والإجهاض على تلك الثورة ذات الأشهر الأولى وتدمير أغلب المدن والبلدات التي خرجت مناديه بالحرية والتغيير الديمقراطي فتحولت تلك المعارضات وعلى رأسها المجلس الوطني السوري والائتلاف وفصائلهم المتطرفة والإرهابية، لم يبق شيء اسمه معارضة أو نظام، بل حرب دموية كان السوريون ضحيتها، وأما بقية معارضات الداخل التي انطلقت من تحت عباءة حزب البعث بكل مسمياتها لا يمكن نعتها أيضا “بمعارضة حقيقية أو معبره عن رأي الشعب أو الجماهير أو حتى جزء منها لأنها مصطنعة وفي خضم هذا الصراع والحرب الطاحنة والمتاجرات الدولية بالدم السوري وبيد قسم من أبناء الشعب السوري الذين يتنطعون بالمولاة والمعارضة برز تيار ثالث بكل هدوء وعقلانية وتخطيط، منطلقا من الحرص على أرواح ودماء وأعراض الشعب بكل مكوناته القومية والدينية في الجزيرة السورية والتزم بالحفاظ على الشعب بعيداً عن الصراع الدموي على السلطة ما بين النظام والمعارضة وداعميهم، بحيث لم يكن من المتوقع أن يسود أو ينجح هذا التيار ذو الإمكانات البسيطة وقد بدأ أول ما بدأ بحماية الأحياء المدنية وحراستها وثم الحفاظ على البنى الأساسية لمعيشة الشعب وتنظيم سير الحياة المدنية وتأمين مستلزمات السكان الضرورية وبعد امتداد ساحة الصراع إلى بعض أرياف المقاطعة بدأ بتشكيل قوى عسكريه محدودة وعمادها أبناء الشعب المحليين للحفاظ على قراهم من هجمات الكتائب المتطرفة التي أول ما بدأت انقضاضها على رأس العين “سري كانيه” وبعد نجاحها بذلك ازدادت الثقة بهذا التيار الذي تحول إلى إدارة مصغرة أو كومينات وثم إلى إدارة حقيقية بكل ما تعنيه هذه الكلمة فكانت الإدارة الذاتية الديمقراطية والتي امتدت لتشمل مناطق أخرى خارج مقاطعة الجزيرة إلى كوباني وعفرين وكادت أن تصل الساحل السوري لولا التدخل التركي السافر الذي يعتبر المسؤول الأول عن نزيف الدم السوري والحرب الدائرة في سوريا. وبعد كل الانتصارات بكل الميادين المجتمعية والإدارية والعسكرية باتت تحظى بقبول شعبي واسع ومن غالبية مناطق سوريا التي هي خارج سيطرتها لأنها صانت وحافظت على الشعب من ويلات الحروب والطامعين.
فبدأت بتشكيل كيان سياسي واسع وشامل لكل السوريين باسم مجلس سوريا الديمقراطية انضم إليه الكثير من السوريين المؤمنين بهذا المشروع للحفاظ على سوريا والشعب السوري، وتم تشكيل كيان عسكري موازي وبذات الحجم والطموح باسم قوات سوريا الديمقراطية لتضم الكثير من الفصائل والقوى الوطنية السورية مجتمعة حول النواة المركزية والأساسية ألا وهي وحدات حماية الشعب التي لها الفضل الاول بحماية المقاطعة منذ بدايات الحرب وقدمت الشهداء والتضحيات والذين جلهم من الكرد وهذه حقيقه لا تخفى على أحد ولكنها أخذت على عاتقها حماية كل الشعب دون تمييز بين كردي أو عربي أو سرياني ويزيدي أو مسلم ومسيحي وبذلك أخذت الثقة من الجميع ولكن الأعداء كالنظام التركي ومرتزقته هنا وهناك حاولوا زرع الفتنة وتشويه مسار هذه الوحدات ونعتها بالعنصرية وغير ذلك من الاتهامات فكانت الضربة الموجعة لهم إعلان تشكيل قوات سوريا الديمقراطية واعتبار وحدات حماية الشعب عمودها الفقري فهذه الديناميكية الذكية والسرعة في التطور والتحكم بقواعد اللعبة السياسية والعسكرية جعلت من المشروع يتطور ليس على الصعيد العسكري فحسب بل تعداه إلى مشروع سياسي كبير باسم فيدرالية الشمال السوري بمقاطعاتها الثلاث، بل وأبعد من ذلك ليمتد ّ مستقبلاً إلى مناطق الشرق والوسط بعد طرد داعش وقوى الارهاب والظلام الأخرى وهذا تلبية لصيحات أبناء تلك المناطق واستنجادهم بالقوات الديمقراطية، فبعد الخلاص من كل تلك القوى الإرهابية سيكون المشروع الفيدرالي الذي أطلقته الإدارة شاملاً ليس للشمال السوري فحسب، بل نواة مشروع لكل سوريا بعد فشل كل القوى والمعارضات بتلك المناطق في إدارة المناطق والجغرافيات التي تحت سيطرتهم ونزوح الكثير من تلك المناطق إلى مناطق الإدارة الفيدرالية الشمالية ( الواقعية )وحيث باتت الأنظار متوجهة كلها إلى امتداد هذا المشروع ليشمل كافة الاراضي السورية التي تئن تحت تلك القوى التي استبدت بها وهجرت الكثير من سكانها ولجوئهم إلى مناطق الفيدرالية حيث الأمان والاستقرار ووجود مؤسسات مدنية بما فيها مجالس العدالة الاجتماعية التي حافظت على الحقوق كافة في ظل هذه الصراعات، وحتى الوافدين باتت لهم حقوق وضمانات وقوانين خاصة، فكل هذه التطورات لاشك ستجعل من الحاقدين ومرتزقة الائتلاف وما شابههم من طلاب الحكم والسلطة وأصحاب الأجندات بتحيين الفرصة للانقضاض على هذا المشروع السياسي والإنساني الذي عماده الفلسفة الحرة للقائد الأممي عبدالله اوجلان التي تقوم على مبدأ أخوة الشعوب والأمة الديمقراطية ولا تميّز بين عربي وكردي وسرياني وتركماني وغيرهم من المكونات بل تتعداهم إلى كافة مناطق الشرق لتكوين أمة إنسانية ديمقراطية عادلة، والتجربة أو خطوة الانطلاق كانت من مناطق الإدارة في المقاطعات الثلاث ولذلك على القائمين أو المسؤولين عن هذا المشروع توخي الحذر والحيطة بعد طرد داعش من الرقة ودير الزور، وعدم الاكتفاء بهذه المنجزات والركون إلى ما قد تحقق بل عليهم القيام بحركة إصلاحية ومنذ الآن تشمل كافة الميادين الاقتصادية والإدارية والسياسية، وتصفية تلك المؤسسات من بعض الفاسدين والانتهازيين الذين استغلوا الظروف والسياسة التي انتهجتها الإدارة باستقطاب الجميع دون تمييز أو تدقيق عالي، فمرحلة التجميع الكمّي انتهت ولابد من التركيز على التجميع النوعي واختيار النخب لأن الايام القادمة ستكون أصعب والأعداء سيكونون أكثر.
نشرت هذه المقالة في العدد 66 من صحيفة “Buyerpress”
بتاريخ 15/8/2017
التعليقات مغلقة.