هواجس حول معركة الرقة ..!

48

أكرم حسين

هناك احتجاجات واسعة على ذهاب الكرد إلى الرقة من الكرد أنفسهم، من يرفض دخول قوات سوريا الديمقراطية إلى الرقة عليه تقديم البديل لاقتلاع رحم الارهاب وعدم تفريخه من جديد”!

حان الوقت لوضع  النقاط على الحروف، رغم الحديث المبالغ عن حدوث بعض المخالفات التي  قد تكون حصلت أثناء قيام قوات سوريا الديمقراطية “قسد” بتحرير مدينة الرقة ،لكن تبقى للحروب قوانينها، وقد تكون هذه المخالفات أو الممارسات من طبائع الامور لكن أن يتطور الموقف إلى تفضيل  داعش على “قسد” أو المقارنة معها ، أو اعتبار ما يجري من محاولات لاستعادة الرقة وتطهيرها من رجس الارهاب، عبارة عن إرهاب وتهجير وقتل للمدنيين العزل! فهو ضلال وزندقة وانحياز بيّن وصريح إلى معسكر الارهاب والظلام ! لان كل منظمات حقوق الانسان بما فيها داعش نفسها، لم تستطع أن توثق حتى الآن هذه الممارسات! فالرقة كما نعلم هي عاصمة لـ “دولة” البغدادي المزعومة ومصنع التفخيخ والتفجيرات الارهابية التي تنطلق باتجاه المدنيين، وبالتالي لابد من خوض هذه المعركة لدكّ ركان هذه “الدولة”، لكن السؤال هل يمكن لأمريكا و”قسد” طرد داعش من الرقة، واستعادة المدينة وإعادة الحياة إلى طبيعتها بعد سنوات من القهر والظلام، بدون تضحيات حتى في صفوف المدنيين، الذين يحتجزهم داعش كرهائن ويستخدمهم كدروع بشرية ؟!
الواقعية تقتضي القبول بالقليل من الأخطاء والضحايا المدنيين، أو عدم مهاجمة الرقة نهائياً والبقاء متفرجاً حتى (..يقضي الله أمرا كان مفعولا)

بمعنى كي لا يسقط مدنيين وتحدث أخطاء علينا التسليم ببقاء داعش في الرقة واستمرار معاناة من هم في قبضتها، وبالتالي استمرار مسلسل القتل والتفخيخ في كافة أنحاء سورية والعراق إلى أجل غير مسمّى.
من يرفض دخول قوات سوريا الديمقراطية  إلى الرقة عليه تقديم البديل لاقتلاع رحم الارهاب وعدم تفريخه من جديد.
هناك من يحاول أن يساوي بين “قسد” وداعش والحشد الشعبي وحزب الله اللبناني والميليشيات العراقية والايرانية، هذا الكلام فيه غلو ومجافاة للحقيقة، لأن طبيعة “قسد”  العلمانية ومشروعها الميداني في مواجهة الارهاب يختلف عن كل المشاريع الطائفية الأخرى التي تعمل على تجذّر الفكر التكفيري والطائفي في المنطقة من خلال ضرب الكل بالكل خارج الطائفة.
تقليل الخسائر في معركة الرقة ضروري، خاصة ما يتعلق منها بتحييد المدنيين والالتزام بالقانون الانساني الدولي، لكن الرغبة  شيء والوقائع شيء آخر، لابد أن يسقط ضحايا في المعارك، لكن كيف نستطيع تقليل هذه الخسائر إن لم نستطع تجنبها؟ هنا يكون المكان الذي يجب أن نقف عنده.
معركة الرقة تحتاج إلى قراء متأنية وشاملة في الصراع السوري الدائر، وتكتسب أهمية حيوية لموقعها الاستراتيجي، في استراتيجية  “تكالب” كل الأطراف بما فيها الترك والنظام والروس والايرانيون. لأن المشروع التركي كما اتضح كان يهدف للسيطرة على حلب مرورا بالرقة والموصل وانتهاء بكركوك، بالإضافة إلى موقع الرقة الحيوي لخط الامداد الايراني وصولا إلى لبنان،  في حين يهدف الروس في دعم النظام لاستعادة الرقة، إلى توسيع منطقة نفوذه. لكن ما جرى في حلب وما حصل في كركوك وما قامت به “قسد” مدعومة من قوات التحالف الدولي أفشل كل تلك المخططات، وجعلتها تذهب أدراج الرياح، وهو ما دفع تركيا لقصف مناطق في روجافي كردستان بما فيها قره جوخ وعفرين وشنكال، بهدف الضغط وتغيير مسار الاحداث.
هناك احتجاجات واسعة من البعض على ذهاب الكرد إلى الرقة حتى من الكرد أنفسهم. شخصيا ًليس لدي تحفظ على ذهاب “قسد” إلى الرقة بل حتى إلى ادلب أو درعا أو أي مكان آخر من الاراضي السورية، وهذا حق مشروع، لأنها  قوات سورية، ولا يقلل من الأمر شيئاً، حتى لو امتلكت مشروعاً قومياً يخصها ومطالب عادلة، ما دام هذا المشروع يتأسس في إطار سورية ديمقراطية اتحادية تعددية.
لا أدري لماذا ترفض المعارضة السورية مشاركة الكرد في دحر الارهاب على الأراضي السورية، مع أنها لا تمتلك  القدرة على خوض هذه المعارك، لا بل تتهم “قسد” بالإرهاب والانفصالية، في الوقت الذي تؤكد فيه “قسد” على وحدة سوريا أرضا وشعبا، وتتمسك “بأخوة الشعوب ” وترفع شعار “الأمة الديمقراطية”، الذي يقوم على تساوي حقوق الافراد والمكونات، ويبتعد عن الدولة القوموية. أليست هذه الاطروحات تنسجم مع ما تدعو إليه أغلب فصائل المعارضة من دولة مدنية ديمقراطية، ودولة المواطنة المتساوية بغضّ النظر عن الجنس أو العرق أو الدين!.
أعتقد بأن الخط العام للمعارضة السورية فيما يتعلق بالحقوق الكردية خاطئ وشوفيني منذ زمن بعيد، وما التهميش والتهويل من الخطر الانفصالي الكردي ، إلا ادعاء وأكذوبة  لا أساس لها.
المظلومية السنية بدأت مع سقوط صدام حسين في العراق، لأن السنة يعتبرون من حقهم المطلق حكم العراق، والآن في سوريا تتجذر المظلومية السنية التي ترى من حقها أيضاً أن تحكم  سوريا بعد إسقاط النظام، لذلك بتنا نسمع حديثا ملفقاً عن الخطر الكردي الانفصالي، وما مذكرة هيثم المالح رئيس الدائرة القانونية في الائتلاف السوري المعارض إلى الامم المتحدة ، بوضع PYD  على قوائم الارهاب، إلا تزوير للوقائع ومحاولة لاسترداد أحقية المكون العربي السني في استلام السلطة. المالح يرى في الكرد منافسا حقيقياً، بعد ان استطاعوا بناء قوتهم وقدموا التضحيات  في مواجهة الارهاب وبالتالي الخوف من الموقع الذي يمكن ان يحتله الكرد في سوريا المستقبل هو ما يدفع أمثال المالح إلى تلفيق هذه الاتهامات وتخوين الكرد.
تبحث السياسة عن الحقائق التي يجب أن تقال حتى لو كانت خطرة، لذلك فان جوهر الخطأ عند PYD يكمن في عدم تمكنه من إقناع الاخرين – وأقصد العرب السنة – بمشروعه الوطني السوري لأن براغماتيته  لا تخلق الثقة لدى الآخرين،لا بل تثير فيهم في بعض الأحيان الخوف والريبة، وهو ما قد يخلق حساسية حقيقية لدى بعض العرب السنة الذين سيتشارك وإياهم العيش في سورية الجديدة.
أخيراً يجب على المعارضة السورية أن تتعامل بإيجابية مع ما يجري في شمال سوريا – وروجافي كردستان – والرقة رغم كل الملاحظات، وأن تتفهم أسبابها وتستفيد من نتائجها وتداعياتها، التي ستكون حتما في مصلحة الشعب والوطن السوري فإنكار الوقائع لم يعد مفيداً ومجدياً.
 

نشرت هذه المقالة في العدد (66) من صحيفة “Buyerpress”

بتاريخ 15/8/2017

التعليقات مغلقة.