التكثيف هويّة القصة القصيرة جداً (ق. ق. ج)

236

 

عبد المجيد محمد خلف

 

الكلمة لها مدلولات كثيرة في أي نوع من أنواع الأدب، وهي سمة المتكلم، والشخص الناطق بها، ودليله، وهي أداة الأديب التي عن طريقها يتم إيصال الفكرة إلى القارئ، وتختلف وظيفتها في كل فرع من فروع الكتابة، فقد يستطرد الكاتب الروائي في مجال اللغة في الرواية؛ لأن أجواء الرواية تسمح له بالاستطراد في بعض الأماكن، فيستخدمها مؤدية وظائف السرد لديه، إلا أنها تختلف في الشعر، أو القصة القصيرة جداً، ففي الشعر قد يستخدمها كمدلول رمزي، أو للدلالة بها على عالم متخيل، أو صورة شعرية مكثفة، تشبيه، أو استعارة، ويبلغ التكثيف الصورة الأقوى في مجال القصة القصيرة جداً (ق. ق. ج)، التي تعتمد عليه كركن أساسي، وهو شرط من شروطها؛ فالقصة القصيرة لابد أن تكون مكثفة، ولكل كلمة فيها وقعها الخاص لدى القارئ، وتوحي له بأشياء كثيرة، وتخلق لديه واقعاً مختلفاً، قد لا يعلم في الوهلة من أين جاءته دلالات ذلك الواقع، أو ما السبب الكامن وراء ذلك، فيقع في متاهة، وتلفه الحيرة.

وقد يظن بعض القراء أنهم يستطيعون كتابة قصة قصيرة جداً، فهي بالنسبة لهم مجموعة كلمات قليلة، ويعتبرون أنه ليس أسهل عليهم القيام بمثل هذا الشيء، لكنهم يدركون مدى الخطأ المتصور لديهم عندما يحاولون، ويكون الفشل بانتظارهم؛ لأن التكثيف، والتركيز على الكلمة هو أحد معالم هويتها، وهو مفيد جداً للنص، بعكس الاستطراد، الحشو الزائد، اللجوء إلى الشرح، السببية والإغراق في الوصف بما لا ينفع، وكل ذلك يضر بالنص، ويبعده عن هدفه الرئيس، فالكاتب يوحي بالسبب، يتحدث ويصف بحدود الكلمات القليلات الضرورية بما يضيء، ويساهم في البناء القصصي.

فالتكثيف يفترض بحضوره عدداً محدداً من العناصر، والتقنيات على مستوى اللغة في التركيب والمفردة والجملة، وعلى الموضوع القصصي، طريقة التناول، اختيار الفكرة، المحافظة على حرارة الموضوع، وجدّته، والقبض على نبض النص، وهو في حالة توهج وانبثاق..

فالمحافظة على قصصية الجملة، ومتانة الحدث دون تضييع المقولة هي من أهم أركان التكثيف، وكل ذلك يدخل ضمن إطار الكلمة الموحية الحالمة التي تحمل أوجه كثيرة، ومعانٍ كبيرة، ودقيقة، لدرجة أن بعض القصص قد تبلغ من القصر حداً كبيراً، بحيث لا تتجاوز كلماتها عشرين كلمة، ولا نستطيع حذف أية كلمة منها، وهذا ما يشكل العبء الأول على كاتب القصة القصيرة جداً، ألا وهو البحث عن الكلمة التي تناسب فكرته، وبناءه القصصي، واستعمالها بما يناسب المعنى، من دون الخروج عن النص، والتسبب في فشل الكاتب، وقدرته على التعبير عن فكرته بشكل جيد، ما يؤدي به إلى الابتعاد عن الهدف الرئيس للقصة، ووقوعه في مطب الحشو الزائد، والذي يمنعه من التعبير عن فكرته بشكل واضح، فيما لو استعمل مفردات وكلمات أنسب، وكانت ستؤدي وظيفتها بشكل أفضل. فعالم القصة القصيرة جداً عالم متكامل، له كل مقوماته التي يجب التركيز عليها، واستيعابها بشكل جيد من قبل الكاتب، حتى يبلغ الهدف الذي يريده من كتابة نصه، ألا وهو طرح شيء جديد، ومحاولة إحداث تغيير في المجتمع، ولو كان بسيطاً…

 

نشرت هذه المادة في العدد (46) من صحيفة “Buyerpress” 

بتاريخ 1/7/2017

التعليقات مغلقة.