استراتيجية الحرب في تنظيم الدولة الاسلامية/ أيمن خالد
أدخل تنظيم الدولة الاسلامية المنطقة في سلسلة من الحروب العميقة التي ستترك اثرا بالغ التعقيد ابرزها تجاوز اثار سايكس بيكو ومختلف أنواع التنافس أو الصراع الداخلي نحو صراع اقليمي يبدو معقدا، مع اضافة الاكراد الى المعادلة، سيكون شكل الصراع عربي فارسي كردي، وسيكون الاتراك جزءا من هذا الصراع من خلال ـ تأهيل- تورط حزب العمال الكردستاني في الحرب، لأهداف يمكن ان يكون اولها التخلص من قوته العسكرية، وليس اخرها إغراق حلم الدولة الكردية في صحراء الشرق الاوسط، هذه الصحراء هي الساحة الاوسع المرشحة للحرب، ربما فيها هلاك جيوش عديدة وسقوط حكومات ونهوض غيرها وغير ذلك.
في الجانب السياسي: هي حرب عميقة مرشحة لقلب شكل الجغرافيا بأكملها وسنكون امام حلف عربي اقليمي دولي في مواجهة هذا التنظيم، بحيث ستختفي قصة مكافحة الارهاب التي اطلقتها امريكا وسيتم اختصارها في مواجهة تنظيم الدولة، الذي من المؤكد سيكون له امتدادات واسعة منفصلة، تتلاشى معه صورة القاعدة لصالح تنظيم الدولة، مضافا الى ذلك أننا سنشهد تفتت تنظيمات مثل الاخوان المسلمين خصوصا بين الاجيال الشابة التي سيبتلعها تنظيم الدولة بهدوء، باعتبار هذا التنظيم بات يقدر على تقديم انتصارات للأجيال الشابة، التي ورثت الهزيمة ولم تسمع بالانتصارات سوى في الماضي الغابر من التاريخ. فالانتصار عبر التاريخ الانساني يعكس ثقافته على المجتمع والشارع، وهذا منذ فجر التاريخ، ويصبح التعلق بالأحزاب والقوى التي لم تفعل شيئاً كالتعلق بالملابس البالية، ناهيك عن عمق الازمة السياسية الحزبية التي جعلت الملوك والزعماء فوق سقف أغلب هذه الاحزاب التي لم تستطع التخلص من عقدة الولاء للدولة ولم يكن لديها استعداد لدفع ثمن ذلك، وهو ما جعل المؤسسة الدينية والاف علماء الامة، يتوحدون وراء الباطل، ووراء الظلم، لأن فكرة بقاء نظام الحكم كانت أهم من العدل، وهي هذه الفكرة التي جعلتنا دولاً كقبائل تائهة في مجاهل التاريخ، وأصبح من الصعب حجم المقارنة بين تنظيم الدولة الذي يقطع الرؤوس، وبين الدولة التي تفعل بمواطنيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
هذا التنظيم يقاتل وفق استراتيجية مثيرة للجدل، فهو مؤسسة اعلامية قادرة على اجتذاب الشبان العرب والاجانب بمختلف اللغات متحدياً أساطيل الاعلام العربية والغربية، التي تقوم أصلاً على تغييب مفهوم العدالة، ولا تملك القدرة على ممارسة الاستقلالية خصوصاً في قضايا المسلمين، ومع الاختراق الاعلامي المثير يتحول التنظيم وبشكل تلقائي الى مؤسسة امنية ناجحة، ثم عملياً يتحول الخطاب الاعلامي والامني الى بيئة ثقافية قادرة على احاطة نفسها ليس بمنطق الدفاع عن الذات، وانما بمنطق تقديم الذات نفسها، فيخرج التنظيم من عباءة الدفاع عن الذات، الى كتلة من المواجهة التي تبدو عفوية، ولكنها خطوة نحو اعلام يعيش كامل الحرية ضمن اطار الفكرة والذات نفسه، في مواجهة مؤسسات اعلامية عربية واجنبية اصلا هي عاجزة عن تفسير ابسط تناقضاتها.
في الجانب العسكري: هو تنظيم يخوض حرباً أساسها واحد، وهو اكتشاف البيئة المحلية واستثمارها، وهذا لم يتم له الا باكتشاف التاريخ والجغرافيا معاُ، فالجغرافيا منحته فكرة الصحراء وعجز الامبراطوريات السابقة عبر التاريخ على اخضاعها، وأما الاكتشاف التاريخي فهو عملياً في كل حروبه ومواجهاته خلال السنوات الاخيرة، يحاول هذا التنظيم الاستفادة من التاريخ. فهو يحارب تاركاً الجغرافيا السياسية وراء ظهره، حتى تسقط هذه الجغرافيا طوعا بين يديه، ثم هو يمارس الاصطدام الذي هو يريده، وليس الاصطدام الذي يمكن سحبه اليه، فهو يأخذ الموصل بلا كلل، ويترك بغداد، ويتجه شمالاً للفصل بين قوتين مهمتين يمكنهما سحقه، ويتجه شرقاً ويمارس سلوك حرب الردة مع قبائل الشعيطات مثلاً، ثم يعيد هيكلة نفسه على شاكلة كرة مطاطية تندرج على الرمال تاركا الجيوش تعيش رعب تتبع خطواته، كل هذا يعني قراءة عميقة في سلسلة حروب التاريخ، من معركة مؤتة ولعبة التضليل العسكري، حتى معركة اليرموك التي في جانبها السياسي مأثرة عقدة التفاوض وتفكيك وحدة الجيوش، وهذا يعرفه المختصون، وفي جانبها العسكري القدرة على اختيار ارض المعركة. هي تماماً فلسفة قديمة يمارسها التنظيم، فهو غير معني بالجغرافيا، وهذا جانب غاية في التعقيد، غاية في القدرة الفائقة على اعادة صناعة حروب الماضي في مواجهة تكنولوجيا عصرية مثيرة للجدل. كان يعجز تنظيم الدولة عن فعل شيء لو دخل بغداد، لان الحرب الحديثة ستفرض عليه وسيظل اسيرا فيها حتى ينهار، لذلك على الزعماء العرب أن يشعروا بالطمأنينة، اذا كانت عواصمهم مساندة لهم، لأن هذا التنظيم كما هو واضح لا يسعى لإسقاط المدن من خارج اسوارها وانما من داخلها.
اقليميا: تركيا معنية بالتخلص من عبء حزب العمال فهي رابح حتى الان، وايران معنية بإنقاذ حلفائها، فهي منهكة لأن الحلفاء على الارض يستطيعون تشكيل قوة ضخمة، لكن تنظيم الدولة يسحب هذه القوى لقتالها حيث يريد وبالتالي لا صراع على جغرافيا ولا حدود، بقدر ما هو زحف مستمر على الرمال. وأما الاكراد، فهم الخاسر الاكبر، فقد خدعهم من دفعهم للتوجه الى قرى الموصل، فكانت حصتهم الحصول على النازحين وخسارة الارض، فهم محاربون اشداء في بيئة جبلية، ولكن هذا التنظيم لم يصعد كما يشتهون الى جبال سنجار بل تركها لمقاتليهم الاشاوس، الذين لهم السقف والسماء فقط. وهنا تكبر مأساة الاكراد، فالنفط سيذهب للحصول على السلاح، وهم معنيون فقط بالحرب اكثر من غيرهم لان اقليمهم صغير محدود الجغرافيا، ولان الجميع تخلى عنهم، فهم يدركون ان مواجهة تنظيم الدولة لا تكون بالسلاح وحده، ويدركون ان التدخل الجوي لم ينفع اسرائيل في غزة التي هي بضع كيلو مترات بينما يسيطر تنظيم الدولة على قرابة 190الف كيلو متر مربع أغلبها صحراء، يصعب جدا قتاله فيها.
الاكراد خاسرون لانهم وحدهم سيقاتلون على الارض ووحدهم سيتحملون المأساة الانسانية ووحدهم يدفعون ثمن خطأ التاريخ وتصحيح هذا التاريخ، ومعادلات هذا الماضي المؤلم الذي يمتد حول عنق الامة بأكملها والذين هم أي الاكراد جزء اصيل منها.
الرسائل السياسية: لا يكفي حشد الجيش المصري بين- معان- وعرعر- للتخلص من خطر التنظيم الذي ينظر الى الكعبة ويريد انتزاعها ومن ورائها البحر، لكي يصبح صاحب الشرعية الأهم في المنطقة، ولا يهتم هذا التنظيم بطرد المسيحيين الذين لن تستضيفهم اوروبا كما تزعم، لأن الغرب يفكر بعقل المصلحة لا الدين، فهؤلاء المسيحيون كغيرهم سوف يأخذ الغرب منهم أصحاب المال والنخبة المتعلمة وسيلقي بالبقية في سلة المهملات العربية، ولكن هذا التنظيم من وراء طرد المسيحيين يرسل رسائل سياسية للغرب، فهو يرى نفسه أنه عصى موسى في المنطقة، مثلما يرى الغرب نفسه كذلك وأن غيره هو الافك الذي سيبتلعه، فهذا التحدي الخطير يدفع ثمنه الناس، وهو ما يعرفه الغرب، ويعيه تماماً، فهو ليس التاريخ الذي جعل اوروبا وروسيا تفرضان على رجل العالم المريض آنذاك فكرة حماية مسيحيي الشرق، وانما هو التاريخ الذي يعطي فيه تنظيم الدولة للغرب وبقية القوميات حق ترحيل من يريدون من الوطن العربي، انها لغة قاسية على الامة، فعندما يريد الغرب فرض نظام العسكر، ومنع الناس من عدالة للجميع، ويدعم بلا تردد أبشع عنصريات التاريخ مثل اسرائيل، فالحلول معقدة، والسيف وحده يأكلنا وندخل نحن والغرب في مطحنة تاريخية لا خلاص منها بالحرب وحدها دون ادراك لأفق المنطقة.
ما فعله تنظيم الدولة هو انه فهم الارض وتاريخها ويحقق انتصاراته من خلال ذلك، وما فعله حكامنا هو انهم داسونا بأقدامهم، فكان البديل ما نراه، وما هم يبكون عليه.
التعليقات مغلقة.