ثورة غربي كردستان (روجآفا) و تأثيرها في مشروع الشرق الأوسط الكبير

48

رزكار قاسم

لاشك بأن منطقة الشرق الأوسط تُعتبر من المناطق الأكثر سخونة في العالم وكانت ولا زالت محطّ أنظار الدول الكبرى لأسبابٍ عِدّة وعلى رأسها الثروة الاقتصادية الهائلة الموجود فيها، والتي تجعلها منطقة صراعٍ فيما بين هذه الدول منذُ الحرب العالمية الأولى التي أنتجت اتفاقية سايكس بيكو والتي بموجبها قسمت إنكلترا وفرنسا المنطقة فيما بينها بتشكيلِ دولٍ قومية (مصطنعة)على حساب أوطان شعوبٍ أُخرى،  كالشعب الكردي وكردستان، ومن خلال هذا التقسيم وتشكيل هذه الدول المصطنعة بفرضها لأنظمة استعمارية يمكننا القول وقد أثبتها القرن المنصرم بأن عجلة التطور والتاريخ توقفت بسبب هذه الأنظمة الاستعمارية التي ارتكزت وجودها على قواعد الإنكار والتعصب القومي وإقصاء دور الشعوب الأخرى في عجلة التطور على كافة الأصعدة، وقد كان ولا زال نصيب شعبنا الكردي نصيب الأسد من ذلك، حيثُ تعرض لكافة وأبشع الهجمات الاستعمارية من الجينوسايد إلى ثقافته وكافة ما يمسّ بحضارته من قبل مُستعمري كردستان، في المقابل لم يستسلم شعبنا أمام هذه السياسات الاستعمارية من قبل مُستعمريه الأتراك والفرس والعرب النظام البعثي في دمشق و بغداد.

 

فالمصالح الدولية لا تقف عند محطة واحدة، وكذلك العلاقات الدولية ومصالحه، إذ لا بدّ من خلق تطورات من خلالها تظهر تحالفات جديدة وفي خضم ذلك لا بُد من تضارب المصالح وإعادة النظر في هذه التحالفات سواء من قِبل الدول الكبرى أو الإقليمية، أما الشعوب المضطهدة وقادتها كذلك عليهم خلق ديناميكية سياسية تُلائم الظروف لمواكبة هذه التطورات واستغلال الفرصة المناسبة لذلك، فمشروع الشرق الأوسط الكبير الذي وِضع في ستينيات القرن الماضي وأعلن عنه ُ بشكلٍ علنيّ فيما بعد عام ٢٠٠٤ في اجتماع الدول الثمانية، وتم نشرهُ مِن قِبل الضابط الأمريكي المتقاعد (رالف بيترز)في يونيو ٢٠٠٦ حيث يؤكد على تعرض العديد من الأقليات والشعوب في الشرق الأوسط لظلم فادح نتيجة تقسيم المنطقة بموجب اتفاقية سايكس بيكو، حيث أشار بشكلٍ واضح إلى الشعب الكردي .

 

فبدأ ملامح تنفيذ هذا المشروع في تسعينيات القرن الماضي ويمكننا القول فعلياً عام ٢٠٠٣ من العراق حيثُ بدأت المرحلة الأولى من هذا المشروع باستهداف النظام البعثي في العراق وانهياره على يد التحالف الدولي والذي أدى إلى تشكيل عراق فيدرالي حصل فيه شعبنا الكردي هناك على حريته، أما المرحلة الثانية فبدأت من سوريا عام ٢٠١١ ومعها دخل المشروع مرحلته الثالثة بعزل تركيا ووضعها في حضن روسيا وإيران ونتيجة صراع الدول الخليجية فيما بينها زجّت بقطر إلى هذا التحالف، فبالعودة إلى المرحلة الثانية من المشروع دون الخوض في تزامن المرحلة الثالثة معها أود التركيز على دور الكرد في غربي كردستان – ثورة روجآڤا ومدى تأثيرها على هذا المشروع والسؤال الذي يفرض نفسه أين يجب أن نكون فيما يجري من تطورات؟ بالتأكيد كما ذكرتُ أعلاه فإن السياسة و تحالفاتها ترتكز على المصالح ومن خلالها نُدرك تماماً بأن أمريكا وحلفائها وقيادتهم لهذا المشروع ووجودهم اليوم في سوريا والمنطقة من أجل مصالحها التي ترتكز على تحقيق أكبر قدر من هذه المصالح فهي دون شك ليست بنزهة، وهذا ما يتطلب منها حلفاء جُدد في المنطقة، فنتيجة إدراكنا التام لسياسات تقاطع المصالح من جهة وتجاربنا المريرة مع الأنظمة الغاصبة لكردستان من جهةٍ أخرى كان الانطلاق منذ بداية الثورة السورية باعتماد كرد غربي كردستان سياسة الاعتماد على الذات والتهيئة لوضع أسس ثورة سليمة انطلاقاً من ذلك وخلق حالة ذاتية يكون الكرد هذه المرة لاعباً في هذه التطورات دون التعويل على الانتظار من سيحقق الانتصار على من؟  النظام أم المعارضة التي خرجت من رحم هذا النظام، ونتيجةً للتشخيص السليم في قراءة مستقبل ما ستؤول اليه الحالة السورية كان القرار بخلق ثورةٍ على أسس مغايرة تماماً لِما تبتهُ المعارضة بربط نفسها مع دولٍ إقليمية هي نفسها استعمارية كالدولة التركية وبعضها الآخر ممولة للإرهاب الأمر الذي أخرجت الثورة السورية من مسارها، غير أن ثورة روجآفا بقيادة الكرد وبقية المكونات تمكنت من إنقاذ الثورة السورية بشكلٍ عام كونها تمثل الوجه الحقيقي لها و لمفهوم الثورة الحقيقية بمواكبتها لخصوصيات المرحلة و اختيار الحلفاء الجادين في خلق حالة التغيير وألتجديد في سوريا والمنطقة باستهداف أنظمة تُعيق تطور عجلة التاريخ، فكانت سياسات تقاطع المصالح بين ثورة روجآفا والتحالف الدولي بقيادة أمريكا هو السبيل الوحيد لمحاربة الإرهاب من جهته العسكرية والتأسيس لإدارة ديمقراطية ذاتية تعطي كافة المكونات دورها والتأسيس للنظام الفيدرالي من جهته السياسية، وهذا ما يتطابق ومشروع الشرق الأوسط الكبير/ الجديد الذي أصبح الكرد فيه لاعباً فرض نفسه على المعادلة السورية في جانبيه العسكري والسياسي في التأثير بتغيير وتوجيه ما هو الصح في خدمة الشعوب السورية بخلق نوع من الاتحاد فيما بينها بشكلٍ مُغاير لما تسعى إليه المعارضة وبدعم من الدولة التركية وقطر وإيران لضرب الشعوب السورية ببعضها وبالتالي خلق شرخ بينها خدمةً لمصالحها، وقد أثبتت الست السنين الماضية مدى صحة ذلك ومدى صحة اختيار ثورة غربي كردستان (روژآفا) لتوجهاتها التي تستند على فلسفة حرية الشعب الكردي و بقية الشعوب و المكونات السورية.

 

نشرت هذه المقالة في العدد (64) من صحيفة “Buyerpress”

بتاريخ 1/7/2017

 

التعليقات مغلقة.