فوضى الشرق الأوسط الخلاقة

60

 دلوفان سلو

إن مصطلح الفوضى الخلاقة (بالانكليزية Creative Chaos) يمكن إسقاطه بشكل كبير على منطقة الشرق الأوسط التي كانت ولا زالت موضع الصراعات الدولية, فالتنوع العرقي والديني والطائفي والمذهبي كان دوما وقودا سهلا ورخيصا لإشعال تلك الصراعات بما يخدم المخططات المتوالية والمتغيرة لرسم حدود هذه المنطقة غير المستقرة عبر التاريخ, والفوضى الخلاقة تعتمد على بث الفوضى من أجل الهدم, ومن ثم البناء من جديد بما يخدم مصالح المخططين لتلك الفوضى, وما حصل بعد بدء مايسمى بثورات الربيع العربي التي جذبت المواطن البسيط بشعارات الحرية والكرامة كانت فوضى كبيرة, والنتيجة كانت كارثية فلم ينعم أحد من تلك الشعوب لا بالحرية ولا بالكرامة, بل تحول التهميش والاقصاء الى القتل والابادة العلنية دون أي وازع أو رادع, لا أخلاقي ولا قانوني ولا دولي! ليدخل الشرق الأوسط من جديد في دوامة فوضى عارمة بشكل مرعب, ولن يفض ما يحصل الآن من حروب ونزاعات إلا إلى نشوء كيانات جديدة بسياسات جديدة, فالأنظمة السياسية السابقة لم تستطع مواجهة المخططات والتغييرات الدراماتيكية, ولعل أبرز الأسباب لذلك هو هشاشة وضعها الداخلي والديكتاتورية في الحكم والخوف الدائم من الديمقراطية, ولم ولن تقتصر هذه الفوضى على كل من سوريا والعراق اللتان تشهدان أشرس الحروب والمعارك الآن, وإنما كل دول المنطقة قابلة للاشتعال في أي لحظة, إن لم يكن قد اشتعلت فعلا, وما الأزمة الخليجية المؤخرة إلا أحد الحلقات في سلسسلة الفوضى الخلاقة, وإن أبرز أدوات هذه الفوضى وحججها هي الإرهاب, فيتم استعمال هذه الذريعة لضرب أي طرف كان, عسكريا أو سياسيا أو اقتصاديا, مع العلم أنه غالبا لا تتم محاربة الارهاب بل يتم تعميقه بعدة أشكال غير مباشرة لإبقائها وقودا لهذه الفوضى, ولو أخذنا الأزمة الخليجية كمثال على هذا, فقد تم مقاطعة دولة قطر من عدة دول عربية وغيرهم بحجة أن قطر داعمة للارهاب ويعتبر أحد مموليه وحاضنة مريحة لكثير من قياداته, وبالطبع هذا صحيح ودقيق, ولكن قطر لا يتعدى دورها دور الممول فقط, في حين أن هناك دولة مثل تركيا التي لم يعد خافيا على أحد بأنها الراعية الكبرى للارهاب والارهابيين, وبأنها اكبر المخططين والمنفذين للعمليات في سوريا والعراق, ولا تقوم أي دولة من تلك الدول المشاركة بمقاطعة قطر أو حتى القوى الدولية الكبيرة بفعل ذات الشيء مع تركيا, فإذا هي فوضى ولكن فوضى خلاقة ومنظمة تشترك فيها عدة دول كبرى وأقليمية ذو مصالح مشتركة, ولكن لم يتم التوافق على الصيغة النهائية لتلك المصالح بعد, والتي على أساسها يتم رسم الخرائط الجديدة والسياسات الجديدة.

كرديا, لطالما عانى الكرد من فوضى الشرق الأوسط, ولطالما كانوا ضحية تلك المصالح الدولية والاقليمية, ولكن الوضع مختلف بشكل كبير في هذه المرحلة, ولعل أبرز عوامل قوة الكرد تتمثل في التنظيم العسكري الذي حافظ على نفسه وتنظيمه وتم تطويره وتوسيعه, عل عكس التنظيمات العسكرية الأخرى التي تشكلت بحكم المرحلة من جيش حر وتنظيمات اسلامية راديكالية أخرى, لتصبح القوة العسكرية الكردية من أبرز القوى العسكرية في محاربة الارهاب, والداعية لنشوء نظام فدرالي ديمقراطي يحمي حقوق الجميع, لتحرر هذه القوة مساحات كبيرة من سوريا ناشرة فيها استقرار نسبي على كافة الأصعدة, والذي يعتبر الأبرز في ظل الفوضى التي نعيشها, ولكن للحفاظ على هذه المكتسبات لا بد من تعميق التجربة الديمقراطية والحصول على ضمانات دولية, والعمل على مأسسة المجتمع, وتمتين البيئة الداخلية بما يجعلها صعبة الاختراق من أي طرف كان, فبالتأكيد سيبقى الشرق الأوسط مستهدفا على الدوام كما كان. المرحلة خطيرة وتنبأ بنظام عالمي جديد سيتعمق فيها دور لاعبين موجودين, وسيختفي لاعبون, وسيظهر لاعبون جدد, فهي الفوضى الخلاقة التي ستبني بعد ما هدمت الكثير, والكثير.

نشرت هذه المقالة في العدد (63) من صحيفة “Buyerpress”

بتاريخ 15/6/2017

التعليقات مغلقة.