رأي حيادي في إعلام غير حيادي!

44

محمد خير داوود

“الأمم التي لا تمتلك إعلاما قويا لا تستطيع أن تضع قضاياها على طاولة المجتمع الدولي وستبقى في الهامش”

بهذه العبارة ردّ بطرس غالي الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة على أحد الصحفيين حين سأله عن السبب وراء بقاء بعض القضايا طيّ النسيان والتهميش. رغم أني أعتقد أن تدويل أي قضية يحتاج إلى أكثر من “عنصر الإعلام” إلا نني أتفق معه في أن للإعلام دور رئيس وهامّ في جعل قضية ما أولوية لدى المحافل الدولية،  لكن لو اعتبرنا – نحن في غرب كردستان- ما قاله بطرس غالي معيارا لنجاح قضيتنا فإننا سنصطدم بالفشل ولن تحظى قضيتنا بأي مكان على الطاولات،  إذ أثبتت ست سنوات من الأحداث التي شهدتها المنطقة الكردية أننا لازلنا في مرحلة متأخرة في مجال الإعلام وتسخيره لخدمة قضية الناس، وذلك لأسباب كثيرة، أهمها انقسام المجتمع الكردي نتيجة سلوك الإعلام المسيّر من قبل الأحزاب، حيث  للإدارة الذاتية، التي يشكل حزب الاتحاد الديمقراطي عمادها، مؤسساتها الإعلامية التي لا تستشفّ منها سوى التحزّب وعرض الأمور حسب منظورها، وفي المقابل يعمل خصومهم في المجلس الوطني الكردي عبر وسائلهم الإعلامية الهزيلة، فقط ليدحضوا ما يروّج له الأول بمعنى آخر: إعلام الاتحاد الديمقراطي لمناصريه، واعلام المجلس الكردي موجّه فقط ضد الاتحاد الديمقراطي, بينما الناس التي لا تنتمي إلى التنظيمين فليس لهم مؤسسات!!.. رغم ظهور مؤسسات مؤخرا وتعمل في روج آفا وتطلق على نفسها “إعلام حيادي” إلا أنني من الناس التي لا تؤمن بوجود شيء اسمه الحياد في الاعلام، ليس في الإعلام الكردي فحسب بل في الإعلام العالمي أيضا, إذ بإمكانهم أن يصفوا مؤسساتهم بـ”الأهلية”، لكن كلمة “الحياد” لها مقوّماتها ومن الصعب على أي مؤسسة تعمل في أجواء الحروب والثورات أن تحقق تلك المقومات في عملها، وعلى الرغم من ذلك أعتقد أن هذا الامر لا يعيب أي مؤسسة إعلامية كردية،  بل الأهم هو ما تقدمه للناس وموضوعيتها في نقل رسالتها بغض النظر عن الرقابة الذاتية ورقابة الجهات المختصة التي ستقف عائقا أمام ذلك بحجج كثيرة.

أذكر اني أجريت حوارا تلفزيونيا مع سياسيين كرديين من جنوب كوردستان حول الامن القومي وكيف أن هذا المصطلح أصبح “شماعة” من أجل كمّ الأفواه وتقييد الحريات العامة بحجة أن تجربة جنوب كردستان فتية وأن الأعداء يتربصون بها ..الخ.. إلا أن الضيفين نفيا ذلك وأكّدا أن حرية التعبير وحرية الأفراد مصانة وفوق كل شيء، بل ويقوي دعائم الأمن القومي!! فقلت لهم: لديّ بعض الأسئلة تدور في رأسي لكني أخشى أن أطرحها على الهواء، فأكون بذلك قد آذيت الأمن القومي ووضعته في دائرة الخطر وبالتالي أفقد عملي وراتبي!!. طبعا ضحك الإثنان ولم يلحّا عليّ كي أطرح تلك الأسئلة..!!. بالمحصلة: مادام هناك شيء اسمه” أمن قومي وثورة!” فأنه لا مكان لإعلام حياديّ أو استقصائي على الارض. أعتقد أن على تلك المؤسسات – حسب قدرتها وبحسب المساحة المحددة لها دون المساس بالخطوط الحمر- التركيز على الحياة اليومية للناس والأمور الخدمية ومحاولة إلقاء الضوء على النواقص والعيوب التي تشوب إدارة المنطقة، هذه أكبر خدمة قد تقدمها تلك المؤسسات الناشئة للناس، بعيدا عن معمعة الصراعات الحزبية التي سئم منها الناس وملّوها..

نشرت هذه المقالة في العدد 62 من صحيفة “Buyerpress”

بتاريخ 1/6/2017

التعليقات مغلقة.