التبعية الإعلامية في واقع لا إعلامي
عامر خ. مراد
تعددت الأنواع والأجناس والهدف واحد, وهذا هو المبتغى من مهنة الصحافة التي اختارت لنفسها إرادة البحث عن الحقيقة وإظهارها دون مواربة, وهنا كان بيت القصيد, فهل تستطيع المؤسسة الإعلامية أو الشخص الممتهن للصحافة أن يتمثل هذا الهدف؟ تباينت هنا الآراء والأفكار حول مدى قدرة الإعلامي على تجاوز الخطوط الحمراء المتمثلة بمبادئه المنحازة أحيانا كثيرة لهذا الطرف أو ذاك أو تلك الخطوط المرسومة من قبل الجهة الممولة أو تلك الخطوط الظاهرة من السياسة المتبعة من قبل السلطات الحاكمة التي تتحكم دوما بطريقة أو بأخرى بالفحوى لإعلامي للوسائل الموجودة في مناطقها.
ولكنني أعتقد بأن الصحفي تبقى أمامه دائما فسحة يستطيع من خلالها ممارسة حريته في ترسيم ما يجب أن يقال من حقيقة, وهنا يمكننا الاستفاضة في الشرح والتفصيل عن الدور المنوط بالصحفي والواجبات التي يمكن أن يتقيد بها من خلال هذه الفسحة التي تعتبر الوسيلة الأهم للتعبير عن الواقع المعاش بما فيه من شزرات.
وقد يبدو أن الاتهام بالتبعية آت لا محالة في ظل ظروف المد والجزر ما بين الفصائل المتناحرة والتي تجذب معها وبحسب رغباتها هذه الوسيلة الإعلامية أو تلك راغبة في طواف تلك المؤسسات في حرمها وإسدال الستار الأسود على نوافذ ما لا يتوافق من مؤسسات مع أيديولوجياتها, ولذلك تتدهور أحوال الإعلام وتسوء في ظروف اللاأمان وتبقى فقط القليل جدا جدا من المؤسسات التي تحاول الانعطاف نحو الحقيقة وتفضيل هذا الانعطاف أو التوقف عن العمل على العمل تحت عباءة هذه الجهة أو تلك.
والسؤال حول الدور الذي يجب أن تلعبه هذه المؤسسات القليلة هو توق لمعرفة سبل الحصول على المعرفة ومنحها للمتلقي جملة واسعة من الأهداف النبيلة التي قد تسهم في حلحلة الواقع المتأزم بين الأطراف جميعا, وقد نكتفي أحيانا كثير بالإجابة عن هذا التساؤل بعبارة ” كشف الحقيقة” فهي الهدف الأول والخير للإعلام وهي الوسيلة الأفضل لإنصاف الفرقاء, ولكن قد تبدو عملية إظهار الحقيقة بشكلها الجاف صادمة فتجلب معها الكثير من المتاعب للوسيلة الإعلامية وهنا لابد من البحث عن سبل التوعية أولا بالأسس الأهم للعملية التفاعلية بين المكونات المتناحرة ومن ثم البحث عن دقائق الحقيقة ونشرها وأخيرا الوعي بمدى خطورة نشر هذه الحقيقة التي يعتبرها الكثيرون نسبية.
أما قضية الواجهة في الواقع المعاش في منطقتنا فتعتبر انتحارا وهروبا من الجبهة بعد ” شوية عنتريات” وهذا ما لا يتوافق مع النفس الطويل لمهنة الإعلام التي لا تستنفذ طاقاتها بين ليلة وضحاها بل تطيل البحث عن الحقيقة الكاملة ولو أن تبيان الحقائق الجزئية أمر مفترض لغايات آنية.
ولذلك فإن أي محاولة للعمل في واقع من الحرية لابد أن يحاط بالعديد من المشاكل التي يجب العمل على حلها خارج العمل الإعلامي لأن العمل الإعلامي أصبح جزءا من الخارطة العامّة للسير بالأزمات نحو نهاياتها مرورا بكل تفاصيلها, ولا يعني هذا البتة الخضوع لرغبات الرقيب بل المحاولة على توسعة الطريق أمام سير قافلة البحث عن الحقيقة ولو أن هذا العمل سيكون محدودا زمانا وصعب التطبيق أحيانا كثيرة مكانا.
ولكن هل تضمن القوانين الناظمة للعمل الإعلامي حرية ولو جزئية للصحفي؟ بالتأكيد أن الرغبة في التضييق تمرّ فوق القوانين وليس عبرها والضامن هنا هو الحشد المعارض الذي يمكن الاستفادة منه أحيانا كثيرة بغض النظر عن رؤيته واستراتيجيته التي قد لا تتوافق مع الحقيقة بدورها.
والأخطر في كل هذه المسيرة هو وسم الوسيلة الإعلامية بالتبعية وهي الصفة التي يصعب الاغتسال منها إلا بجهود من المؤسسة الإعلامية قد تغتال بعضها شرايينا للحقيقة رغبة في البحث عن رضى الآخر غير مدركة أنها بهذا السلوك تقارب الحافّة الخطرة التي يجب الحذر منها كثيرا.
ويمكننا أن نسوق أخيرا الاستفسار حول مدى ملائمة الواقع الإعلامي المعاش في منطقتنا مع طرح قضية النقاش في التبعية الإعلامية والاستقلالية في ظلّ ظروف التجني على الإعلام بكل تفاصيله ولا تناسب القوى بين الإعلام ومعاديه وحداثة المكوّن الإعلامي في المنطقة, ولو أننا نتحدث غالبا في طروحات قد تفيد في تطوير البنى الأساسية للإعلام فقط لا غير.
نشرت هذه المقالة في العدد 62 من صحيفة “Buyerpress”
بتاريخ 1/6/2017
التعليقات مغلقة.