روسيا وتركيا المستفيدتان من أستانة والبقية عليهم اقتفاء الفتات

34

د. أحمد القيسي

واجهت روسيا مقاومة من القوى الغربية أثناء محاولتها كسب تأييد مجلس الأمن على الاتفاق في أستانة. ودبلوماسيون غربيون أعربوا عن تحفظاتهم على مشروع القرار الروسي قائلين إنه من السابق لأوانه الموافقة على الاتفاق حتى تتم الموافقة على الترتيبات النهائية لمناطق خفض التصعيد المقترحة. ومن غير المحتمل إجراء تصويت على مشروع القرار في الأيام القادمة، حتى تستطيع العواصم الغربية الحصول على مزيد من المعلومات حول الاتفاق.

يُذكر أن روسيا تقدم مقترحا لإنشاء 4 مناطق تخفيف للتصعيد في سوريا وتضمن تشكيل مجموعة عمل مشتركة بين ممثلي الدول الضامنة، والمناطق الأربع هي إدلب وشمال حمص والغوطة الشرقية وجنوب سوريا.

من المرجح أن التحفظات الغربية على نتائج مفاوضات أستانة جاءت نتيجة سيطرة روسيا وتركيا على المفاوضات وفرض مصالحهما دون مراعاة مصالح بقية اللاعبين بمن فيهم أميركا ودول الخليج وحتى إيران، ونستطيع القول إن المصالح الروسية كانت الأكثر طغياناً على مخرجات المفاوضات، حيث أن المقترح الروسي يؤسس نحو اللامركزية في الحكم في مناطق خفض التصعيد لتخفيف سيطرة الأسد وإيران على مناطق نفوذ المعارضة، الأمر الذي يؤشر على أن روسيا قد بدأت أولى خطواتها لسحب البساط من إيران والأسد، حيث تدرك روسيا أن الشرطة الروسية هي القوة العسكرية الوحيدة التي ستتولى أمن هذه المناطق لأن الحكومة السورية لن ترضى بدخول القوات التركية ولا الأردنية إلى مناطق تخفيف التصعيد. وبالمقابل لن ترضى المعارضة والدول السنية بدخول إيران وميليشياتها ونظام الأسد. وبهذا تضمن روسيا بقاءها الاستراتيجي وبكلف مادية أقل لكون هذه المناطق سيتم الإنفاق عليها من قبل المجتمع الدولي.

من جانب آخر، فإن تمرير المقترح الروسي ونجاح مناطق خفض التصعيد سيصبان في مصلحة شركة “غازبروم” الروسية بشكل مباشر، بإقفال الطريق للمشتقات النفطية من الخليج نحو جنوب أوروبا بما ينهي المنافسة الخليجية لها على سوق الغاز الأوروبية.

حصاد تركيا من الاتفاق كان أيضاً لمصلحة الأمن القومي التركي وليس من أجل القضية السورية، حيث تسعى تركيا إلى ضمان نفوذ أكبر لفصائل المعارضة الموالية لها من أجل استخدامها لتقويض تمدد الأكراد، رغم أنها تدرك أن الاتفاق سيكون له تأثير على وحدة الصف السني، حيث أنه من المحتمل حدوث اشتباكات بين المعارضين الذين يعتزمون الالتزام بخطة أستانة وبين الرافضين لها، ومن المرجح أن تجرد تركيا من الدعم السعودي، فضلاً عن خسارة تركيا لثقة بعض فصائل المعارضة التي ستنتقد تعاون تركيا مع الروس المتهمين بقتل الشعب السوري.

أما حصة إيران من الاتفاق فقد كانت الأكثر تواضعاً، حيث أن الاتفاق التركي الروسي الإيراني في أستانة يشير إلى ضوء أخضر من روسيا وتركيا لإيران بالسيطرة على الحدود العراقية السورية بما يضمن خطوط إمداد حزب الله.

قبول الأميركان بنتائج المفاوضات سيشكل مفاجأة، حيث أن الأميركان كانوا دائماً ما يؤكدون على قرارات جنيف 1 الذي يركز على وضع نهاية لحكم الأسد، وهو الأمر الذي لم يتم التطرق له في المفاوضات، ومن الواضح أن الروس يسعون إلى قطع الطريق أمام أي تدخل أميركي ووضع بقية اللاعبين أمام الأمر الواقع، الأمر الذي سيبعد احتمال زيادة التنسيق الأميركي الروسي بما يتخطى تفادي النزاع والتوصل إلى تسوية مقبولة لجميع الأطراف، فمن المرجح أن تواصل روسيا وتركيا وإيران تعاونها لدفع أميركا إلى الخارج بعد هزيمة داعش.

بناء على المعطيات المذكورة آنفا فإنه من الصعب على روسيا تمرير الاتفاق بصيغته الحالية، وعلى الأرجح ستقوم موسكو بتقديم تنازلات أكبر لتمريره، لا سيما أن إسرائيل لا ترغب بوجود مراقبين أتراك وإيرانيين على حدودها. ورغم الموافقات المبدئية، فإن نظام الأسد والمعارضة لم يوقعا بعد على الاتفاق. وبعض فصائل المعارضة مازالت ترفض الاتفاق والوصاية التركية.

العرب اللندنية

التعليقات مغلقة.