آذار العنيد
إذ يجيء آذار يضع الكرد أيديهم على قلوبهم، القلوب التي تساوت فيها الجراح والآمال، كما يتساوى الليل بالنهار في هذا الشهر، فالحدث الأشهر في هذا الشهر هو ” نوروز ” وجاء في كتب التاريخ عن هذا اليوم: ” تحكي النقوش الأثرية والأدب الإيراني عامة عن احتفال الساسانيين، وهم من حكموا بلاد فارس قبل الإسلام، بيوم النوروز، حيث كان قد وضع تقويمها على أساس الحسابات التي أجراها الكهنة البابليّون والمجوس الإيرانيّون المقيمون في بابل عن طريق رصد النجوم، ” واتخذه الفرس بداية للعام الفارسي.
الا ان للكرد حكاية ثانية, حيث يرمز هذا اليوم إلى مقتل الملك الفارسي “الضحّاك”، وتروى الأساطير، بان ثعبانين قد نبتا في صدغيه وكان على الملك أن يدهن رأسه بمخّ شابين من الكرد حتى يزول عنه الألم.. وبالطبع جاءه ذات يوم كاوى الحداد وهو يخفي ” مطرقته ” طالبا من الملك تقبيل رأسه قبل أن يقتلوه، وحين طأطئ له الملك، انهال كاوى الحداد بمطرقته على رأس الضحاك، وخلّص الكرد من الذبح، لهذا اتخذه الكرد رمزا للحرية فيحتفلون بهذا اليوم كيوم وطني وقومي بامتياز.
بالطبع هناك الكثير من الشعوب تحتفل بهذا اليوم وكل بطريقته، فلاشك ان للأمر كذلك علاقة واضحة بالتبدل المناخي، وبدء الربيع، وحسب اليونسكو، يحتفل اليوم ما يقرب من 300 مليون شخص في جميع أنحاء العالم بالنوروز, ومن مراسم النوروز تجهيز مائدة خاصة تسمى «سفره ى هفت سين» أي سفرة السينات السبع، التي تحتوي على سبعة أشياء تبدأ بحرف السين.
وفي شباط 2010 م، قررت اليونسكو إدراج عيد النوروز في القائمة النموذجية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية، كما اعترفت بيوم 21 آذار بوصفه «يوم نوروز الدولي». والبحتري يقول في النيروز :
أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكاً من الحُسن حتى كاد ان يتكلما
وقد نبَـه النوروز في غلس الدُجى أوائل ورد كـُن بالأمس نوَما
وبالعودة إلى الشهر فلديه حساسية خاصة عند الكرد، لما وقعت فيه من مآس ومجازر بحقهم، فجمهورية مهاباد كأول جمهورية كردية، وإعدام قادتها تم في شهر آذار، وقصف مدينة حلبجة بالأسلحة الكيمياوية تم في آذار، وقد توفي أو نفي أو قتل في هذا الشهر العديد من القادة والشخصيات الكردية سياسية وفنية، وما إن يقترب آذار حتى تتلبس الكرد حالة ترقب وتوجس، وخوف من القادم.
والواقع حاولت ان أكتب الكثير عن هذا الشهر لكن يبدو ان الحالة الكئيبة قد تلبّستني كذلك، فكلما هممت بالإسهاب في شأن ما من شؤون شهر آذار ينبض قلبي، لجرح قريب مني كشخص، فيتوقف كل شيء، وتتوقف الكتابة أمام جلال الحدث ومأساويته، فأعراب التاريخ المظلم، ومن حمل سيوف الاسلام المثلومة، قد هاجموا مبنى بلدية قامشلى قبل ثلاث سنوات وبدأوا قتلا وتفجيرا بموظفي البلدية، وكانوا يتحضرون لزراعة الاشجار في شوارع بلدتهم، كانت ابنتي حلبجة بين هؤلاء، فاستشهدت مع زملائها وزميلاتها على أيدي أناس لا علاقة لهم ولا لتاريخهم ولا لأجداهم بالألوان والربيع والشجر، كانوا قتلة البشر قديما واستمروا إلى يومنا هذا في نهجهم المعادي لكل ما تحققه البشرية من تقدم في العلوم والاخلاق، وقد قال رسولهم: ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق “.
وبالطبع لم يتمم تلك الاخلاق، وربما جاءت تفاسير كتابه وأحاديثه ترسيخا لقيم الذبح والقتل المجاني، ومعاداة الجمال على الأرض.
تبا لقتلة آذار، وشكرا لضوء روجآفا تبدد وحشتي في هذا الشهر العنيد.
نشرت هذه المادة في العدد “61″ من صحيفة Buyerpress تاريخ 15/3/2017
التعليقات مغلقة.