المرأة الكردية واستحقاقات المرحلة

43
ستير قاسم1
ستير قاسم

من الثامن من شهر أذار من كل عام تحتفل شعوب العالم بيوم المرأة العالمي وتأخذ هذه الاحتفالات أشكالا مختلفة تعبر فيها الشعوب وحسب ثقافاتها وتقاليدها عن مساندتها للمرأة ودعمها لأي خطوة تساهم في تخفيف معاناتها وإنصافها  اجتماعيا و سياسيا و اقتصاديا.

في عام 1908وعندما خرجت النساء في مدينة نيويورك إلى الشوارع مطالبات بحقوقهن وهن يحملن الورود و الخبز اليابس للتعبير عن الثورة و الرفض و الرغبة في المساواة مع الرجال في الحقوق، قوبلت التظاهرة بالوحشية من قبل السلطات و تردد صدى هذا الحدث في كل أنحاء العالم و قررت أمريكا أن تجعل في عام 1909 هذا اليوم يوما عالميا للمرأة و حذت بقية دول العالم حذوها في المؤتمر الثاني للنساء الذي عقد في مدينة كوبنهاغن 1910 ،ثم اعتمد يوما عالميا للمرأة بشكل رسمي في 1977بقرار من الأمم المتحدة.

المجتمع الكردي يشارك العالم هذا اليوم وبطريقته الخاصة، حيث تعم الاحتفالات المناطق الكردية وتتبارى الأحزاب والمنظمات النسائية الكردية في إقامة فعاليات استعراضية تتوزع بين الخطابات السياسية والأغاني الفلكلورية والأشعار التي تتغنى بالمرأة وتمجد نضالها ضد العقلية الذكورية وما ينتج عن ذلك من تداعيات و أثار سلبية تهدد وجودها الفاعل الحقيقي في المجتمع.

يقول المستشرق البريطاني الباحث (س.ج أدموندز) في كتابه (كرد-ترك-عرب) عن المجتمع الكردي أنه مجتمع منفتح تجاه المرأة ذا قارناه ببقية المجتمعات المماثلة في الشرق الأوسط كالعرب و الترك الخ، حيث يوجد للمرأة فيه مكانة مرموقة ودور ملحوظ في جميع مناحي الحياة و لاسيما الاجتماعية منها و أن هذا الانفتاح الفكري الفطري للمجتمع الكردي قد حرر المرأة الكردية من القيود التي نجدها في مجتمعات الأخرى، اذا المرأة الكردية لم تبدأ من نقطة الصفر في مسيرة نضالها التحرري.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل استطاعت المرأة الكردية أن تثبت وجودها في المجتمع ،هل استطاعت أن تكون ندا للرجل بمواقف جريئة و قوية في الأحداث التي يمر بها الشعب الكردي و لاسيما في المرحلة الحالية؟

لقد أصبحت المرأة الكردية مقاتلة وسياسية، رائدة نسائية، شاعرة لكن حضورها ظل باهتا في المسائل المصيرية التي تتعلق بشعبها.

في الأحداث المؤلمة و المؤسفة التي ظهرت في شنكال بالاقتتال الكردي – الكردي وما حمله من تبعات اجتماعية و سياسية ، أين وضعت المرأة نفسها ؟ و أين اختارت أن تكون و هل خرجت من السياق التقليدي كما هو عام ومتعارف لتعبر عن رأيها الواضح لأنها لا تريد هذا الاقتتال ، لأنها الأم التي تفقد أولادها، و الزوجة التي تفقد شريك حياتها.

لم نجد في هذا اليوم و في ظل هذه الاحداث الهامة خروج عن المألوف في طريقة تعاطيها في هذا اليوم ألا بعض المحاولات الخجولة لإظهار موقفها الرافض عبر اعتصام أو احتجاج ، ومر اليوم  وكأن ما حدث انتهى.

لم تستطع المرأة أن تكون عامل ضغط على الحركة السياسية الكردية و تدفع بها إلى نبذ الخلافات و المهاترات العقيمة و الاجتماع حول طاولة حوار واحدة لبحث الأسباب و إيجاد الحلول، بل اكتفت أن تقف موقف المتفرج ، و تظهر رأيها ببيان أو كلمة سرعان ما يختفي أثرها في ظل الاحتفالات و الاستعراضات المبهرة.

حري بالمرأة أن تجد مكانها اللائق بها و أن تكون صانعة سلام ، و أن تحيي التقاليد الكردية العريقة الخاصة بها عندما كان ظهورها وسط جمع غفير من الناس يحدث دويا و أثرا إيجابيا كالسحر الذي يغير من اتجاه الأحداث.

لقد وضعت المرأة نفسها حتى في موقف الضعيف المطالب دوما، بينما ما هو أجدى  أن تفعل ما تجده صائبا و تجعل الأخرين يتقبلون الدافع الإنساني القومي الذي تنطلق منه.

و لتعزيز دورها الفاعل في المجتمع عليها أن تعي جيدا حقوقها و واجباتها فربما تغليب أحدهما على الأخر هو الذي يضعف دورها و يجعله ثانويا ، أن كونها كما يراه المجتمع و الأسرة سواء عمود الأسرة القوية المتماسكة و أي اضعاف لدورها يعرض الأسرة للاهتزاز و الضعف و لماذا لا تكون أحد أعمدة الأسرة بالتوازي مع الأخرين و بقدر ما تكون المرأة حرة بالتعبير عن رأيها و تجسيده واقعا بقدر ما تسهم في بناء أسرة و مجتمع متماسك، و يمكن لها أن تنطلق نت البيت الى فضاءات  لا محدودة من التشاركية و الندية و بمرور الزمن يصبح هذا ثقافة مجتمعية حقيقية تفضي الى دور أكبر و تأثير أكبر في جميع مجالات الحياة.

ربما يتطلب بناء هذا النموذج وقتا ، و يقتضي من المرأة تضحية بوجودها العاطفي الاسر ، وتحمل عقبات انعتاقها من المفاهيم الموروثة التقليدية الشاملة، قد تلاقي الرفض حينا والتجاهل أحيانا لكنها في النهاية ستجد أنت الامر لم يكن الا تغيير نمط أو صورة معتادة عند الأخرين و أن عملية تغير هذا النمط ليس بالمستحيلة أو المرفوضة تماما و بموجب هذا الطرح تتغير النظرة المجتمعية لها و تكون محركا قويا في عملية التغيير البنيوي الشامل للمجتمع و بطريقة سلسة ومتوازية مع التطورات المتسارعة في العالم.

نشر هذا المقال في العدد “61″ من صحيفة Buyerpress تاريخ 15/3/2017

3

التعليقات مغلقة.