جنيف4 مآلات الحل وعوامل الفشل

29
سيرالدين يوسف
سيرالدين يوسف

تحتل جنيف العاصمة السويسرية من جديد تفكير جميع السوريين وتستحوذ على اهتمامهم من بين مدن العالم قاطبة هذه الأيام، فأنظار السوريين بملايينهم، والمنتشرين على خارطة المعمورة تتجه صوبها مرّة أخرى، على أمل أن تضع نهاية للتراجيديا الدموية المشتعلة في بلدهم منذ ما يُقارب الست سنوات، فأكلت الأخضر واليابس، وقُتل مئات الآلاف منهم، وشُرد نصف السكان، ودُمرت معظم المدن.
اذاً مؤتمر جنيف السوري بنسخته الرابعة بدأ، وحال السوريين يرثى له في ظل استمرار نظامهم ومعارضتهم على حدٍّ سواء، وإصرارهما على أن يكونا بيادق في ميادين وملاعب دول إقليمية ودُمى في أيادي أنظمة دولية، دون أدنى شعور بالمسؤولية تجاه شعبهم فسياسات طرفي الصراع وارتباطهما بأجندات إقليمية، وتجييش الطرفين لأنصارهما على ثقافتي العسكرة والقتل، كل ذلك كانت أسباب طبيعية لهذا الكم الهائل من التهجير والقتل والتدمير بحق شعبهم وبلدهم.
ووفق التسريبات الإعلامية والتصريحات الصحفية لبعض قادة المعارضة، فإن وفدها يعاني من عدم التجانس ووحدة الرؤى والموقف سيما ان الفصائل العسكرية التابعة للائتلاف استحوذت على حصة الأسد في تشكيلة الوفد هذه المرة، وهي تخضع بدورها لأجندات دول إقليمية عدّة، متشابكة المصالح حيناً ومتعارضة أحياناً أخرى، مع وضوح التأثير التركي المباشر على معظم فصائلها العسكرية، فضلاً على أن أهم فصيل سياسي فيها هو الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، الذي يشكل العمود الفقري للهيئة العليا للمفاوضات.
فلا يخفى أن الضغوطات التي مارسها المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان ديمستورا والحكومة الروسية في آن واحد ،بضرورة تشكيل وفد موحد ووازن يضمّ في ثناياها جميع قوى المعارضة، لم تلقَ نجاحاً كاملاً حتى الآن، رغم إشراك منصتي القاهرة وموسكو في وفد الهيئة العليا للمفاوضات، واقتصار تمثيلهما على عضو لكل منصة دون حتى استشارة قيادة المنصتين وكل ذلك من جانب الهيئة العليا للمفاوضات، وعدم إدراج عضوا المنصتين في لائحة الوفد المفاوض مع النظام، مما شكل سخط واستهجان قادتهما، وفق تصريحات صادرة عنهم، مع التلويح بالانسحاب من مفاوضات جنيف، إن استمرت الهيئة العليا بإقصائهم تمثيلاً وقراراً.
ومع إقرار معظم المتابعين والمحللين للشأن السوري وأنا أميل إلى هذا الرأي أن جنيف 4 الحالية لن تفضي إلى أي مخرجات لحل الكارثة السورية، وستكون كما بقية الجولات الثلاثة السابقة تسويف المشكلة وتأجيل حلها، إن استثنينا موضوع تثبيت وقف إطلاق النار بين طرفي الصراع، وذلك لعدّة أسباب واقعية وموضوعية ،أولها عدم وجود إرادة حقيقية للأطراف الدولية الفاعلة والمؤثرة على الحالة السورية وخاصة الولايات المتحدة الامريكية وروسيا الاتحادية، في حل المعضلة السورية لاختلاف اجندات واولويات الطرفين وشكل الحل، ثانياً التدخلات الإقليمية وامتداداتها في العمق السوري، مما يفاقم المشكلة ويعقدها أكثر، ثالثاً السلوك المتعالي الذي عاد اليه النظام السوري كما كان في سابق عهده، وخاصة بعد سلسلة الهزائم التي ألحقها بقوات المعارضة وسيطرته على حلب، رابعاً سلوك الاقصاء والوصاية الذي تمارسه المعارضة السورية المتمثلة بالائتلاف والهيئة العليا للمفاوضات، بحق الممثلين الحقيقين لأطياف الشعب السوري القومية والدينية واختزالها بشخصيات وكيانات ثانوية غير فاعلة على الأرض، إضافةً إلى جعل المعارضة من هياكلها السياسية والعسكرية حصان طروادة لتمرير مخططات وأجندات لدول إقليمية وعلى رأسها تركيا.
فواقع الحال ان خطاب المعارضة السياسي منذ نشوئها لم يتميز عن خطاب النظام قيد أنملة، بل تفوقت عليه بعض الأحيان بنبرة الاستعداء والتهديد والوعيد لكل من يخالفهم الرأي، ويتعارض مع الجمهورية العربية الإسلامية التي يطرحونها في سوريا، ويتناغمون بذلك مع النظام السوري في شقّها العربي، حتى بات جزء كبير من الناس على يقين مطلق أن المعارضة فضلاً على أنها لا تمتلك مشروع سياسي مدني واضح وحقيقي لمستقبل سوريا بعيداً عن التأسلم، فإنها تحاول استبدال النظام وإسقاطه لتحكم بأسلوبه ومنهجه ومنطقه الاقصائي.
فما من مناسبة أو مؤتمر إلا وانهال على الكرد سيلٌ من الشتائم واتهامات بالانفصالية والتقسيم كونهم يطالبون بالفيدرالية كشكل من أشكال العلاقة مع دمشق، فبرغم من التمثيل الشكلي والهزيل للكرد في چنيڤ عبر المجلس الوطني الكردي بوصفه جزءاً من الائتلاف المعارض، الذي تنكر حتى للوثيقة السياسية المتواضعة الموقعة بينه وبين المجلس الوطني الكردي، ويرفض إدراج بنودها على طاولة مباحثات جنيف، علاوة على رفضهم مشاركة حزب الاتحاد الديمقراطي في المفاوضات، الذي يمتلك قوة عسكرية قوية(YPG) حليفة للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة وتستحوذ على ما يقارب ربع مساحة البلاد، ويطرح الحزب مشروع فيدرالي الذي يجري العمل على تطبيقه الآن على الأرض، وهذا ما تخشاه المعارضة السورية وبتلقين من حليفتها تركيا.
قصار القول: إن أهم عامل في عودة الأمان والاستقرار إلى ربوع سوريا ووقف شلالات الدم، هو التوافق بين المكونات السورية على تسوية سياسية تأخد بالحسبان تنوع الشعب السوري الاثني والطائفي، وفي المقدمة احترام إرادة الشعب الكردي في شكل الحكم الذي يرتئيه (الفيدرالية)، وفق تفاهمات وتوافقات فوق دستورية، وعدا ذلك كل المحاولات الاقصائية الرافضة سواءً من جانب النظام أو المعارضة لحضور ممثلي الشعب الكردي الى جنيف، ما هي إلا إعادة إنتاج الدكتاتورية والحكم الشمولي التسلطي، الذي يرفض الكرد في العودة إليه مهما كلفهم الأمر.
فأي حل لكارثة القرن السورية، إن لم يكن للكرد بصمة وشراكة حقيقية فيه، فلن يسمى حلاً على الإطلاق، فالمعارضة والنظام السوريين يجب أن يدركا جيداً، أن الكرد أصبحوا القوة الوازنة والرقم الأصعب في معادلة الصراع على سورية، ولذا لا يمكن إيجاد حل لذلك الصراع إلا عبر البوابة الكردية.

نشرت هذه المقالة في العدد (60) من صحيفة “Buyerpress”

بتاريخ 1/3/2017

3337

التعليقات مغلقة.