جنيف 4… بوابة حل أم بوابة جهنم ؟
افتتح المبعوث الدولي ستيفان دي مستورا مساء الخميس 23/ 2/ 2017 الجلسة الافتتاحية لمباحثات جنيف 4 وسط أجواء مشحونة يغلبها التشاؤم إزاء احتمالات حدوث خرق ما في جدار الأزمة السورية وبغض النظر عن أجندات التفاوض والمتمثلة بالانتقال السياسي وصياغة دستور جديد وإجراء العملية الانتخابية برعاية أممية وفق مرجعية بيان جنيف 1 والقرار الدولي 2254 والذي تمثل الجوهر الفعلي للعملية التفاوضية فإن المعطيات الميدانية على الجغرافيا السورية تؤكد بوجود حالة من الضبابية وعدم الوضوح وخلط للأوراق تسبب في عدم إمكانية حدوث خرق ما في جلسات التفاوض فسقوط حلب بيد النظام وحلفائه الروس والإيرانيين وسيطرة تركيا على مدينة الباب مؤخراً, أضف الى كل ذلك الاتهامات الاقليمية المتبادلة وخصوصاً الاتهامات التركية والإيرانية لبعضهما البعض واتهام كل طرف للآخر بأنه السبب في تعقيد الأزمة السورية، كل ذلك يعكس أن مرحلة الحلول في سوريا لم تنضج بعد بانتظار تثبيت دعائم الإدارة الأمريكية الجديدة وتوافقاتها المنتظرة مع الروس بإيجاد صيغة توافقية لتقسيم الكعكة السورية وفق رؤاهما ومصالحهما.
ومن هنا وبالرغم من السقف المتدني للتوقعات حيال أختراق ما ,فأن التئام الفرقاء السياسيين تحت المظلة الأممية على طاولة الحوار وبمفاوضات مباشرة يبقى في حد ذاته إنجاز على الطريق بتوصل الجميع إلى قناعة مفادها أن الحسم العسكري لن يأتي بثماره ولا بديل عن الحل السلمي والحوار كمدخل لخلاص الشعب السوري بمكوناته كافة من هذا الكابوس الذي جثم على صدور السوريين منذ ستة أعوام، حيث الدماء والخراب والتشرد هو العنوان الرئيس لهذا الصراع المرير. وبالعودة الى التباينات الكبيرة في الأولويات بين وفدي المعارضة والنظام فإن التركيزعلى الإجراءات والشكليات من قبل النظام تشكل بحدّ ذاته معضلة ومناورة من أجل التملص من جوهر البند الأساس في المفاوضات ألا وهو العملية الانتقالية والتي بموجبها توضع اللبنة الأساس في مسيرة العمل التفاوضي ومن هنا فإن بوابة الحل تكمن في بحث العملية الانتقالية كخطوة مفتاحية لرسم معالم الطريق والحاجة السورية الملحة للانتقال من الاستبداد والعنف والخراب إلى الديمقراطية والتعددية ومصالحة الشعب مع نفسه وتوحيده وتأمين القوة المتسقة التي تساعده على تحقيق أهداف السوريين للخلاص من حكم الفرد والحزب الواحد وتكمن هذه النقطة جوهر الخلاف الذي يعرقل أي تقدم ممكن في المباحثات فالصلاحيات الكاملة لهيئة الحكم الانتقالي بتوافق المكونات السورية تنهي نظام الأسد وتؤسس لمرحلة السلام ووضع حدّ للحرب، والدخول في منطق المصالحة الوطنية وإعادة الإعمار على كافة الجبهات، والشروع بكتابة الدستور وإعطاء الأولوية والاتفاق على مبادىء فوق دستورية حتى يبقى التزام السلطات المتعاقبة على الحدود الدنيا من المشترك بين مكونات الشعب السوري بأعراقه وأثنياته المتعددة لكي لا يتمكن أحد من التفرّد بالسلطة يوما ما ويعدل الدستور وفق هواه إذا امتلك أغلبية في البرلمان، فتضيع حقوق المكونات، ومن هنا فإن الدستور المرتقب الذي سيخطّه السوريين لا بد أن يكون دستوراً عصرياً يأخذ بعين الاعتبار التلاوين السورية المختلفة من عرقية ودينية ومذهبية، فالشكل الأفضل لنظام الحكم لا بد أن يكون في دولة اتحادية وإقامة نظام ديمقراطي تعددي يثبت فيه حيادية الدولة التي تعبر عن مصالح كافة مكونات الشعب السوري، فمتطلبات نجاح أي مؤتمر يخص بحل المعضلة السورية سواء جنيف 4 أو غيرها يكمن في الأستجابة الدولية والاقليمية والسورية – السورية لمطالب ومكونات الشعب السوري الذي خرج في 15 -3 -1012 ومطالبته بالحرية والمساواة والخلاص من الاستبداد، فلابد أن تكون الحلول بحجم التضحيات التي قدمها السوريين أثماناً لحريتهم ومنهم الشعب الكردي الذي كان جزءا فاعلا في ثورة الشعب السلمية التي انطلقت بهدف إنهاء الأستبداد وتحقيق الحرية التي حرم منها جرّاء الاضطهاد المزودوج من النظام. واستطاعت الحركة الكردية في 26 10 2011 من تأسيس المجلس الوطني الكردي الذي وقف إلى جانب الثورة ورأى في شعارات الثورة وسلميتها خلاصاً لهم من الظلم والطغيان فإن الوفد الكردي المتمثل بالمجلس الوطني الكردي في جنيف 4 وإن لم يكن وفداً مستقلاً يشمل كافة الطيف السياسي الكردي إلا أنه يملك رؤية للحل في سوريا ولديه مشروع سياسي يضمن الاستقرار لسورية ويحقق للشعب الكردي وبقية المكونات حقوقهم وفق دولة اتحادية علمانية يتحقق من خلالها التحول الديمقراطي في سورية، وتضمن حقوق كافة المكونات والأقليات العرقية والدينية والمذهبية. ومن هنا فإن عدم إدراج القضية الكردية في جدول المباحثات واعتماد المفاوضين على وثيقة “الإطار التنفيذي للحل السياسي في سوريا”، والتي طرحتها الهيئة العليا للمفاوضات بإجتماع لندن في ايلول عام ٢٠١٦ سيكون للمفاوضين الكرد خياراتهم وستضع المفاوضات في منحى آخر ولن يكون المجلس الوطني الكردي وفق بيانه الأخير بخصوص مفاوضات جنيف ملتزماً بأي من مخرجات العملية التفاوضية.
وبناءً على كل ما ذكر فإن التصورات بحصول خرق ما في العملية التفاوضية تبدو مهمة شبه مستحلية بالرغم من التطمينات الشفهية التي قدمها المبعوث الدولي للمتحاورين إلا أن التباين الكبير في الرؤى بخصوص الحل بين النظام والمعارضة وداعميهم يجعل أفق الحل مسدوداً على الأقل في المدى المنظور، فالمبعوث الدولي ( دي مستورا ) لا يملك العصى السحرية في غياب التوافقات الاقليمية والدولية حيال إيجاد طريق ما للدخول إلى بوابة الحل، لذا فإن معاناة الشعب السوري سوف تطول وأن السوريون مقبلون على فصل آخر من القتل والدمار والتشرد بانتظار اللاعبين الكبار لوضع حد لهذه المأساة .
نشرت هذه المقالة في العدد (60) من صحيفة “Buyerpress”
بتاريخ 1/3/2017
التعليقات مغلقة.