جنيف 4 وفرص النجاح

38
فاروق حجي مصطفى
فاروق حجّي مصطفى

سواء انعقدت جلسات جنيف بالموعد المقرر أو تأجلت بضعة أيام؛ فجلسات أخرى من المباحثات ستنطلق، ولعل سبب ثقتنا بأنها ستنعقد يعود للرعاية الأممية واصرارها على وضع حد لكل ما يجري بسوريا مع أنّ المعارضة لم تتفق بعد على صيغة فيما بينها، ولا تملك رؤية واضحة خصوصًا كون الخطاب لا يجب أن يكون متطابقًا مع خطاب جنيف السابق، فحدثت تطورات كبيرة على الصعيد الأمني والعسكري!

أمنياً عدة تسويات حدثت في دمشق، وانسحبت قوات المعارضة إلى ادلب، وكان آخرها في وادي بردى، كذلك حدوث فرز نسبي بين الكتائب المتطرفة أي القاعدة والكتائب الإسلامية الأخرى، مضافاً إليه حدوث صدامات بين هذه الكتائب التي تجتمع كلها في ريفي حماه وحلب، وغالبية محافظة ادلب، وهذه نقطة.

أما النقطة الأخرى وهي أمنياً أيضًا ظهور ما يسمى بقوات درع الفرات على السطح، وهي حالة أخرى تعمل بمعية الأداء الاقليمي أي تركيا فإن لهذا المعطى تبعات، وانعكاسات وستكون هناك نتائج مختلفة على سبيل المثال لا الحصر:

– صدام كردي تركي، وهذا الصدام وارد، وقد يحدث بسرعة أقرب مما نتوقع، ولا نعرف التطورات التي حصلت في منطقة الشهباء، والحديث عن تسليم 8 بلدات وقرى للنظام هو نوع من الاحترازية كي لا تتقدم تركيا نحو عفرين، فيبقى النظام الحد الفاصل بين قوات “ي ب ك ” و”درع الفرات” أو هناك مؤشر آخر مخيفٌ أكثر من كل التطورات العسكرية. أنا شخصيا قلق جداً على التطورات الأخيرة!

– سحب ورقة من المعارضة، وهي ورقة وجودها، فهي ضد النظام خاصًة وأن وجود الطرفين بالقرب من بعضهما في منطقة الباب يفتح آفاقاً جديدة ما يعني أن أمور صدام النظام مع المعارضة هو ليس أمراً مؤجلا بقدر من أنه أمر كدنا أن ننتهي منه تمامًا حتى لا يدرج أصلا في مباحثات جنيف.

-اختبار المعارضة فعليًا من الناحية العسكرية هل هي قادرة على التعايش بالقرب من قوات النظام أو لا؟

سياسياً: الوضع ليس كما كان، فمن ناحية التبادل القنصلي أو الدبلوماسي حدثت تغيرات كبيرة، وزارت دمشق وفود من مجالس للنواب الأوربيين سواء فرنسياً أو امريكياً، والتقت النظام وحتى أنها زارت حلب المدمرة أيضاً فضلاً عن زيارة ممثل البابا وحمله لرسالة البابا للنظام. وهذه التطورات حدثت بعد عدة مفاصل:

* مفصل حلب: حيث كانت نقطة انعطاف في تقدم النظام سياسياً وأعطى للنظام ملامح الشرعية الأكثر إلى درجة بات الكثيرون يعملون كما لو أنّ النظام بالفعل يحارب “الارهاب” وليس غير ذلك ما يعني أن منسوب النظام سياسيا ارتفع.

* مفصل التسويات المحلية وأن هذه التسويات بدأت من داريا، والأخيرة كانت نموذج معارضة أهلية مسلحة ومحافظة ما انعكست هذه التطورات على المزاج العام للمسلحين وأخفض شيئا من معنوياتهم، ومزاجهم القتالي.

* مفصل مؤتمرات ولقاءات البعثيين والنظام بوجهه المدني في الحسكة وهذا كان له دلالة شعبية وسياسية:

دلالة شعبية, حيث أعطى قوة معنوية لمواليي المنطقة الشرقية بأن النظام في طريقه للعودة وهذا يكون على حساب قوات “قسد” خاصة وأن اتفاق حميميم لم يحدث بعد، فتقدم النظام معنويًا بالحسكة يأتي على حساب تقدم “قسد”، وهذا يؤثر على أداء اجتماعات الكرد مع النظام في حميميم.

–     رجوع بعض المعارضين تحت شعار “العودة إلى حضن الوطن”، وما إن رجعوا حتى كشفوا أوراق عديدة أمنيا واقليمياً ودوليا، وصار بوسع النظام معرفة التوجه الاقليمي والدولي وقبل كل ذلك الأمني المرتبط بالمسلحين.

والحق لا يمكن التمييز بين ما هو أمني وما هو سياسي والأمران يكملان بعضهما البعض، إلا أنّ التطورات الأمنية تعكس مشهدا سياسيا جديدا، ما يعني أنّ لقاء أستانة هو لقاء الهدنة نعم لكنه مدخل مهم لقلب موازيين القوى على طرفي طاولة المباحثات في جنيف حتى لو كان الحضور يقتصر بشكل رئيسي على السياسيين والعسكر.

يجب أن يكون ثمة تقنين مثلما لعب السياسيون هذا الدور في أستانة وهذا يدفعنا للشعور بأن جنيف هذه المرة ليست كجنيف سابقاتها.

ولا نستغرب وبالرغم من معطيات أعلاها، وبالرغم من تقدم النظام في مجالي السياسة والأمن إلا أن هذا كله لا يكفي لو لم توافق المعارضة على نجاح للنظام حدث فعلياً، فالنظام ذاهب لأمرين:

الأول انتزاع موافقة المعارضة على كون النظام بالفعل تقدم عليها.

والثاني: يقدم نفسه كجزء من الحل وليس جزء من المشكلة.

قد يقول قائل إن النظام هو المنتصر فلا حاجة له للذهاب لجنيف أصلاً؟ الجواب هو حتى لو أعاد النظام بسط سيطرته على كل الأراضي السورية فهو لا يطمأن ويعرف أن هذه الأرض ليست كما كانت في السابق وإلا ما كان بحاجة للقبول بالمعارضة وإيجاد التسوية معها معنى ذلك أن النظام ما زال يشعر بالضعف وإن لا يظهره علنًا.

لا يهم! المهم هو أن النظام يساير الكل ويذهب لجنيف لكن المعايير تترنح وتتقهقر، ولا تستطيع الاتفاق والتوافق على الوفد والرؤية، وهذا يمكن تعميمه كُرديا أيضا.

النظام لا يعارض أن يكون للكرد وفد خاص بهم بينما المعارضة ترفض ذلك. وحتى لو قبلت المعارضة فإنه ومع معرفتنا مسبقًا أن جنيف هذه المرة هي غير سابقاتها فالكرد لا يملكون إرادة كافية ليكونوا في جنيف بوفد ويطالبوا لأنفسهم مكاناً ودورا ورأيا مميزا عن المعارضة والنظام ويقاربون حقوق ناسهم بمقاربة مسؤولة! وهنا مربط الفرس.

بقي القول نحن مقبلون على تطورات سياسية وأمنية مهمّة، ما يعني نحن أمام استحقاقين: الأول تقوية الإرادة والتصميم. والثاني: وحدة الموقف يجذب الأصدقاء ويقوي رغبة الداعمين، والسؤال هل بوسع السوريين فعل ذلك؟ وإن لم يفعلوا فإنهم يطيلون عمر الحرب مرة أخرى!

نشرت هذه المقالة في العدد (59) من صحيفة “Buyerpress”

بتاريخ 15/2/2017

3

التعليقات مغلقة.