كرد سوريا يتامى كردستان والكردستانيين
يبدو أن مشهد التوصّل إلى حلّ سياسي ينهي الصراع الدائر في سوريا منذ ما يقارب الست سنوات بات أقرب من ذي قبل إلى الوجود على الرغم من أن ملامح هذا الحل لم تتضح بعد، لكن الحديث الجدي من خلال قراءة تصريحات قادة المجتمع الدولي حول إمكانية الحل السياسي يدل وبقوة أنهم راغبون في وضع معالم يمكن أن يُهتدى بها في طريق الحل المستدام حتى ولو طال لسنوات قليلة مقبلة، فما يريده السوريون في الوقت الراهن هو وقف العمليات القتالية وكبح جماح النظام والميليشيات المقاتلة معه من الفتك بالمدن والإنسان السوري، وبدا هذا الحلم السوري قابلاً للتطبيق بعد اتفاق روسيا، إيران وتركيا على إجبار فصائل المعارضة السورية المسلحة والنظام السوري بالجلوس على طاولة واحدة للاتفاق على وقف إطلاق النار في أستانا والتحضير لتسوية سياسية ينهي هذا الصراع.
مباحثات أستانا كانت الأخيرة من الجولات المتكررة التي تمت بمبادرات دولية وبشكل خاص مسلسل جنيف الذي كانت حلقاته الأخيرة دائماً فاشلة بامتياز شكلاً ومضموناً.
في هذا المعترك نقف أمام بداهة ومنطقية أسئلة تحزّ في نفس المواطن الكردي أن يجد مجيباً عليها، ترى أين هي الحركة السياسية الكردية في سوريا من هذه التغيرات وهل هناك من مشروع واضح لديها لتشارك في أي تغيير قد يطرأ على الوضع السوري؟ هل تمكنت الحركة السياسية الكردية من الاستفادة مما جرى و يجري منذ بدء الأزمة؟
أين هي الحركة الكردية بأحزابها وأطرها من المباحثات والاتفاقيات العلنية والسرية التي تدور رحاها في أروقة المحافل الدولية وفي الغرف خافتة الأضواء؟
لكن يبدو أن الحركة السياسية الكردية ليست لديها إجابات صريحة وواضحة على البديهيات السالفة، لأنها لم تتمكن إلى الآن امتلاك قرارها المفضي إلى تقرير مصيرها كحركة سياسية ناهيك عن مصير الكرد في سوريا، وذلك لأنها مسلوبة القرار لارتباطها بأجندات كردستانية بات القاصي والداني يعلمها.
هنا لابد أن نوضح بعض الحقائق من خلال تصريحات كان لها الأثر الكبير في زيادة الشرخ وعدم الجدية في إيجاد أي سبيل للتقارب بين الأطر السياسية الكردية، وأولها قبول الوفد الكردي المتمثل بالمجلس الوطني الكردي بشخص رئيسها إبراهيم برو و عبدالحكيم بشار نائب رئيس الائتلاف المعارض، في مباحثات أستانا، والسكوت عما قاله رئيس وفد المعارضة المسلحة، محمد علوش عندما قال “يجب إدراج وحدات حماية الشعب في قائمة الإرهاب”، وبالضد من ذلك تخوين حركة المجتمع الديمقراطي للمجلس الكردي واتهامه بالتعامل مع أعداء الشعب الكردي والوقوف في وجه تطلعاته في روج آفا.
وما بين الطرفين موقف التحالف الوطني الكردي في سوريا الذي يعتبره البعض بالمتزن و الداعي إلى التقارب بين الطرفين المتخاصمين، إلا إن هذه الدعوات تصطدم بالدور الكردستاني السلبي في هذا الإطار وبشكل خاص الحزب الديمقراطي الكردستاني ـ عراق وحزب العمال الكردستاني.
من خلال قراءة واقعية للصراع والخلافات التي يمكننا أن نسميها بغير المبررة بين الطرفين الكرديين نجد أن الصراع ليس كما يدعي المجلس الكردي أن حركة المجتمع الديمقراطي تتبنى مشروعاً لا يلبي طموحات الكرد في سوريا، وليس كما يدعي المجلس الكردي، إنه صاحب مشروع قومي كردي، فالمراقب لمواقف الطرفين يجد أن الصراع هو على المكاسب والسلطة بامتياز وتقسيم الكعكة الكردية بما اصطلحوا عليه (فيفتي ـ فيفتي).
فإذا كان من المسلم به والمعلوم، أنه و منذ تأسيس أول تنظيم سياسي كردي في سوريا، كان للعامل الكردستاني اليد الطولى فيه وأصبحت التنظيمات السياسية الكردية في سوريا بشكل أو بآخر “تابعةً” لأجندات تلك القوى، زدْ على ذلك تدخلها المباشر في شؤون الحركة السياسية الكردية في سوريا، وكل ذلك لعدم تمكن هذه الأحزاب من إيجاد رؤية مستقلة بها وعدم تمكنها من إبراز كاريزما خاصة بها، دفعها إلى أن تكون مسلوبة الرأي، مما انسحب الأمر ليس فقط على الأحزاب السياسية بل على المجتمع الكردي برمته وانقسامه إلى آبوجي وبارزاني.
وقصارى القول فإن الأطراف الكردستانية استغلت الأحزاب الكردية في سوريا لصالح أجنداتها الخاصة، وبدا تدخل محوري هولير وقنديل واضحاً جداً مع بدء اندلاع الثورة السورية في العام ألفين وإحدى عشر، وكان لهما التأثير السلبي على دور الحركة السياسية الكردية في سوريا، فمعظم المباحثات التي جرت وتجري هي بإشراف القطبين الكردستانيين ويتوقف كل شيء على تفاهماتهما حول تقسيم النفوذ في كوردستان عامة وفي روجآفاي كردستان خاصة فاتفاقيات هولير ودهوك كانت خير دليل على هذا التدخل، يبقى السؤال الذي لا يجد بداً إلا أن يطرح نفسه بقوة وهو إلى متى يبقى كرد سوريا يتامى كردستان والكردستانيين.
نشرت هذه المقالة في العدد (59) من صحيفة “Buyerpress”
بتاريخ 15/2/2017
التعليقات مغلقة.