رؤيا في الأستانة…

71
16441682_1279078872172543_1218931872_n
علي السعد

علي السعد

مؤتمر الأستانة الذي انعقد يومي الثالث والعشرين والرابع والعشرين من شهر كانون الأول/يناير 2017، في العاصمة الكازاخستانية – أستانة بحضور وفد من الفصائل المسلحة ووفد النظام، جاء هذا المؤتمر بتوافق روسي- إيراني- تركي، وغطاء أممي بحضور المبعوث الدولي ديمستورا.

تمّ فيه التأكيد على الالتزام بسيادة واستقلالية ووحدة الأراضي السورية، وإن سوريا ديمقراطية متعددة الإثنيات والأديان وغير طائفية، ولا يوجد حل عسكري للصراع في سوريا ولابدّ من تفعيل الحل السياسي القائم على بيان جنيف وقرار مجلس الأمن 2254، والسعي من خلال خطوات متماسكة ومحددة لتدعيم حالة وقف إطلاق النار لإنهاء العنف والحد من الانتهاكات وبناء الثقة وتأمين المساعدات والإغاثات الإنسانية، وإقرار آلية ثلاثية للمراقبة وضمان الالتزام الكامل لوقف إطلاق النار باستثناء مواقع داعش والنصرة، والتحضير لمواصلة الحل السياسي من خلال المشاركة بالجولة التالية لمحادثات جنيف في الثامن من شهر شباط القادم.

في بداية الاستنتاجات إن مؤتمر أستانة تحضير لمباحثات جنيف، أولا، فبعد الانتصار الروسي في حلب وخروج المقاتلين منها، أرادت روسيا أن تتوج هذا الانتصار العسكري بعمل سياسي والإسراع في الخروج من المستنقع السوري واللعب بالوقت الضائع بين تسليم إدارة أوباما واستلام ترامب، وكلّنا يعلم أن هذه الفترة تصيب السياسة الأمريكية بشبه شلل، ومحاولة وضع حد للتوغل الإيراني في الأراضي السورية خشية التمدد الإيراني ومشروعه في المنطقة، لاسيّما أن إيران وميليشياتها وحرسها الثوري والمليشيات العراقية وحزب الله اللبناني وغيرهم، تؤكّد على ما بعد حلب…! وقد سعت مع النظام للقضاء على كل الفصائل المسلحة وطردها حتى آخر فصيل، واعتبار حلب الخط الفاصل للمشروع الإيراني، فابتداء من إعاقة ترحيل المقاتلين من حلب وخرق هدن كثيرة آخرها في وادي بردى وتحفظات إيران على إعلان أنقرة ورفض دعوة واشنطن إلى مؤتمر الأستانة، بدأ التباين الروسي الإيراني يتضح شيئا فشيئا.

إيران ترى أنه لابدّ من الحفاظ على استمرارية النظام بكلّ رموزه ساعية بذلك أن تكون الدولة الإقليمية الكبرى والتي تنافس السعودية وتركيا والكيان الصهيوني، والكل يعلم ما صرح به أحد الملالي في إيران، نحن موجودون في بغداد وصنعاء وبيروت ودمشق، فيما يرى الروس القضاء على الإرهاب وفرض حل يضمن استمرارا داعما لها ولنفوذها كقطب فاعل في العالم، ولو استدعى تغيرات في بنية النظام وأهم رموزه، ويكون القرار للدولة لا للنظام وهذا واضح من خلال تصريح بوتين: “إن المهمة الأساسية بعد انتصار حلب هي التوصل إلى تسوية سلمية شاملة للصراع في سوريا”، وأكّد لافروف بأن لولا التدخل الروسي لسقط النظام خلال أسبوعين أو ثلاثة، وتمّ إرسال كتيبة الشرطة العسكرية لوقف زحف ميليشيات النظام والإيرانيين على حلب الشرقية.

وما الاستدارة التركية بعد الانقلاب الفاشل على أردوغان، والتوافق التركي الروسي بعد إسقاط الطائرة الروسية والتخلي عن حلب مقابل الباب والاحتلال التركي للأراضي السورية ومحاربتها للشعب السوري، وأخصّ هنا مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية والاختراقات بالطيران على أراضي الجزيرة السورية والسيادة السورية بحجج واهية، خوفا من تكوين كيان كردي على حدودها، علما بأن جميع إخواننا وشركائنا في الوطن، الكرد هم من النسيج الوطني السوري ولا يطرحوا أي دولة أو انفصال عن سوريا.

برأيي مؤتمر الأستانة وإبعاده فصيل مسلح هو قوات سوريا الديمقراطية التي أحرزت انتصارا على الإرهاب الداعشي ودحرته والانصياع للفيتو التركي انعكس سلبا على المؤتمر، وإن ست سنوات عجاف على السوريين من القتل والتهجير والنزوح واللجوء والجوع والحرمان ونزيف الدم السوري، بدأ الشعب السوري الصابر والصامد متعبا من هذه الحرب المجنونة القذرة يتطلع إلى أي مؤتمر يوقف هذه الحرب بعين الترقب والأمل، وإن أي جهد يفضي إلى الحل السياسي للقضية السورية وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الوطن وإنهاء المأساة السورية، الشعب معه لكن دون المساس بالثوابت الوطنية، وإن كل عرقلة للحل السياسي أو إعاقة له تحت أي حجم ومن أيّا كان في النظام أو المعارضة هو موقف غير وطني بل أقول بكل صدق خائن.

المطلوب اليوم من كل السوريين، وأخصّ هنا المعارضة التي تؤمن بالحل السياسي وبالتغيير الديمقراطي الجذري والشامل، لابدّ من الاستفادة من الظروف الإقليمية والدولية والتداخلات الخارجية، فالعالم ليس جمعيات خيرية وعدم الرجوع إلى السلاح واستغلال هذه الظروف بكل حنكة سياسية وحذر، فلابدّ من الحوار بل حوار الضرورة. لقد سقط منطق الحسم العسكري والإسقاط مع الحفاظ على الثوابت الوطنية وإنهاء سياسة الإملاءات والإرتهانات  والتأكيد على استقلالية قرارنا الوطني.

لقد حان الأوان أن نخرج من تحت الركام ونرجع إلى وطننا السوري وإلى ولاءنا السوري، أمّا عن الدستور السوري فيصفه السوريون أنفسهم ويخضع لاستفتاء شعبي عام، لقد فشلت المعارضة السورية في خلق كيان سياسي جامع واليوم المطلوب إنشاء وخلق جبهة وطنية ديمقراطية لكل المؤمنين بالحل السياسي، محاربة الإرهاب والحل السياسي مساران متلازمان متكاملان.

*ناشط سياسي

نشرت هذه المقالة في العدد (58) من صحيفة “Buyerpress”

بتاريخ 1/2/2017

16507065_1552443634770477_2079997762_n

التعليقات مغلقة.