الكرد بين حميميم وأستانة…
لا يمكن التكهن بمستقبل سوريا السياسي في ظل أزمتها السياسية التي تعيشها منذ أكثر من خمس سنوات، كون المتصارعين ليس لديهم برنامج وطني يتفقون عليه، أو قواسم مشتركة تجمعهم على طاولة مستديرة للحوار، لأن معظم هؤلاء يتبعون أجندات وبرامج حل سياسي من دول اقليمية أو دولية، والكل بنفس الوقت يعمل جاهداً كي يخرج من (المولد) بأكبر كمية من الحمص المسروق من القوت السوري الذي بدوره انقسم إلى ملل ونحل.
خلال هذه السنوات العجاف عاشت المعارضة والنظام مؤتمرات واجتماعات ولقاءات كثيرة من أجل وقف حمام الدم السوري. وكل طرف يعتبر نفسه حامي الحمى بينما في الكواليس يشربون نخب الهزيمة والانكسارات.
في أستانة عاصمة العثمانيين عفواً عاصمة كازاخستان لمْلمَ الروس والترك والإيرانيين المعارضة والنظام للحوار في الشأن السوري،
أستانة هل ولد ميتاً أم هناك عملية قيصرية سياسية لترميم الوجه البشع للمشاركين؟؟ أم تغيير الأقنعة كي يخرجوا بوجه سياسي مستعار؟
كل السوريين يعولون على نتائج إيجابية بأن تتوصل الأطراف المتصارعة إلى حلول ترضي كل الأطراف وتنتهي المأساة. لكن الدلائل والمؤشرات أكدت بأن الفشل قد يلاحقهم قبل أن يبدأوا. أولاً الفيتو التركي لإبعاد الـ PYD.
من هذا اللقاء وهو يمثل جانباً سياسياً وعسكرياً مهماً في سوريا، وليس بخافٍ على أحد بأن الترك يحاربون هذا الحزب سياسياً وعسكرياً لأنه يمثل نسبة كبيرة من الكرد في سوريا ولهم برنامج سياسي بالإضافة إلى قوات الحماية الشعبية التي حاربت وما تزال القوى الإرهابية في الشمال السوري، وانقرة تدرك تماماً بأنها استبعدت لاعباً اساسياً في الماراثون السوري والكرد بنفس الوقت ليس لديهم ورقة عمل تخولهم بالمشاركة كفريق واحد لأن الخلافات مازالت تأكل من وحدتهم السياسية ومنعتهم من لقاءت حميميم والآن أستانة. ورغم ذلك الكرد ليسوا ورقة مستهلكة في المشهد السوري والكل يدرك بأن لا تسوية في سوريا بمعزل عن الكرد، أما المعارضة فقد اجتمعت في الرياض قبل المؤتمر ترتب أوراقها وهي لا تدرك بأن الدول الثلاث قد وضعتها بالمربع الأول.
لقاء أستانة كغيره قد يدفن في مقابر الثورة السورية ، فكل المؤشرات تؤكد بأن جلسات اللقاء للحوار وليس لنتائج نهائية وغياب الأخ الأكبر(أمريكا) كقوة سياسية وعسكرية في سوريا سوف يحدث خللا في الحوار والنتيجة. والمتحاورون في أستانة وبرعاية موسكو وطهران وانقرة لا يمتلكون أدوات وقدرات حرة تخولهم بتمثيل أنفسهم بشكل مثالي، البيان الختامي لم يصدم أحداً ولم يفاجئ أحداً … لأنها جاءت بأقل ما يمكن تحقيقه، منها:
أكد البيان الختامي على وحدة الأراضي السورية والتأكيد على أن الحل العسكري ليس الأول والناجع وأنشاء آليات لمراقبه وقف اطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية للمدنيين وحمايتهم ومشاركة المعارضة السياسية والعسكرية في مؤتمر جنيف القادم (شباط المقبل) والفصل بين المعارضة والإرهابيين.
لقاء أستانة كان عبارة عن مفاوضات غير مباشرة بين النظام والمعارضة وقد تعمل الدول الراعية على تمتين الثقة بين الطرفين والإعداد لمؤتمر جنيف القادم. وللوهلة الأولى قد يلاحظ بأن ذهاب المعارضة لهذا اللقاء جاء نتيجة إفلاسها السياسي وانكساراتها العسكرية (حلب مؤخراً) وسلمت ملف سوريا لأنقرة، وسوف تترجم نتائج اللقاء بكذبة سياسية أخرى مكانها حاويات المدن السورية، وربما تم توزيع الاستحقاقات السياسية والاقتصادية القادمة بين كل الأطراف، من خلال مشروعي الهلال الشيعي وسوريا المفيدة كي تستحم روسيا في المياه الدافئة وايران تنام قريرة العين في ليالي الهلال القادمة، لأن ايران وتركيا وجها لعداوة تاريخية تجاه سوريا بشكل عام والمشروع الكردي بشكل خاص وتعمل بكل قوة كي تنال أكبر حصة من الكعكة السورية أما تركيا فهي تلهو في بوابات سوريا الشمالية(الباب)
لأنها وبكل المقاييس هي الآن دولة محتلة لأراض سورية، ولعبت دوراً سلبياً في هذه الأزمة ومنذ بداياتها، إلى جانب تملكها خارطة لمشاريع توسعية في سوريا وتاريخياً السوريين لا يثقون بالأتراك جملة وتفصيلاً.
والسؤال لماذا بدأ التفاوض؟
هل بدأ على لملمة ديموغرافية ممزقة أم على عودة نصف سكان سوريا من الشتات أم على رحيل قوات إيران المسلحة أم على رعونة وعربدة طيران الروس في فضاءات سوريا أم على محاسبة ومحاكمة القتلة والمجرمين…
من الملاحظ بأن ولا واحدة من تلك الاستفهامات قد طرحت أو ناقشت
ولهذا جاءت ردود الأفعال متباينة والاغلب أكدت بأن المؤتمر سقط وبامتياز، أما كرديا فلم تكن أستانة أفضل من غيرها كون الكرد يعيشون بين تفاؤل حذر ودغدغة أحلام وردية من خلال الدستور الروسي الخاص بسوريا، وكقراءة أولية لهذ الدستور المرفق بنهاية المؤتمر قد تكون هناك دعوة لحالة ديمقراطية أوان الروس يغمزون بقناتهم لتقسيم سوريا بين الشركاء الرئيسيين (مناطق حماية) وتقسيم مناطقي للمكونات السورية، بنفس السياق دعت بعض الأوساط القومية العربية بأن الدستور الروسي دعوة إلى نسف الهوية السورية (العربية) وحتى الإسلامية، وهي بحسب زعمهم دعوة أكيدة للفتنة الطائفية وتقسيم غير معلن لصنع أقاليم فيدرالية, وهي إشارة للمشروع الكردي أو على الأقل منح الكرد استحقاق بحجم الحكم الذاتي.
رغم هذه الإشارات أكدت الهيئة التنفيذية للفيدرالية الديمقراطية لشمال سوريا بأنها غير ملتزمة بنتائج المؤتمر، لأن موسكو ارتكبت خطأ باستبعاد القوى الديمقراطية مقابل إرضاء أهواء وسياسات انقرة العدوانية تجاه الشعب الكردي في سوريا.
اللعبة السياسية في سوريا لم تنتهِ والمعطيات التي تأتي من دول الجوار ومن الروس والامريكان أيضاً تؤكد ذلك, فالأوراق مازالت مبعثرة هنا في الداخل السوري وهناك في أروقة البنتاغون والكرملين، وللوهلة الأولى تبقى الإشكالية الكردية في الازمة السورية بمثابة حصان طروادة وقد يصبح الكرد الحصان الأسود الذي يسبق الكل في نهاية المشهد السياسي السوري، والمقدمات الكردية منذ انطلاقة الازمة وحتى الآن تؤكد على نتائج إيجابية قد لا يعيش الكرد نهايات تراجيدية.
نشرت هذه المقالة في العدد (58) من صحيفة Buyerpress
بتاريخ 1/2/2017
التعليقات مغلقة.